خلال زيارتنا الى مدينة شتشافنيتسا الشهيرة بالينابيع وعيون المياه المعدنية وسط الجبال , توجهنا الى منتجع صغير يطل على نهر دونايتس و هو نهر جبلي ينبع من جبال تاترا ويقع مصبه في نهر فيستولا لخوض مغامرة التجديف بالقوارب الخشبية ( الطوافات ) في مياه تصل درجة حرارتها الى خمس درجات مئوية فقط .
على بعد ثلاثة كيلومترات من المكان الذي بدأنا منه رحلة التجديف في نهر دونايتس توجد بحيرة تشورشتيينسكي التي تنظم مستوى المياه .
ومن هناك انطلق القارب الخشبي الصغير لنبدأ المغامرة . كنا سبعة افراد على متن القارب الذي كان يضرب احياناً في الصخور بقاع النهر خاصة في المنحدرات المفاجئة او المنعطفات الحادة .
كنا مذهولين في خوض تلك التجربة غير المسبوقة لنطلع على الطبيعة الساحرة في مجرى النهر والاستمتاع بمعالم الطبيعة على ضفتيه اليمنى سلوفاكيا واليسرى بولندا .
بداية الرحلة
بدأت رحلتنا من قرية سروموفيتس فيزني كونتي واستغرقت حوالي ساعتين حيث ابحرنا في طريق يبلغ طوله 18كم في الشريط الحدودي، طيلة الرحلة كنا نشاهد أمامنا جبال ماسيلوفا جورا (800 متر فوق مستوى سطح البحر) وهي مجاورة لحديقة بينيني الوطنية ولا يُسمح بتسلقها لانها موطن للعديد من أنواع الحيوانات والنباتات النادرة.
على اليسار أمكننا رؤية مجرى النهر القديم لنهر دونايتس حيث تمر الحدود بين بولندا وسلوفاكيا .
في الوقت الحاضر، على بعد حوالي 1,5كم نبحر في الأراضي السلوفاكية، مروراً بميناءين سلوفاكيين للتجديف .
إبحار بين بلدين
نواصل الابحار عبر قرية سروموفيتس نيزني التي ينحدر منها معظم راكبي الطوافات يشارك جزء كبير من العائلة في ركوب الطوافات ويعمل الرجال على القوارب وتقوم النساء بتطريز الأزياء الإقليمية، بما في ذلك السترات التي يرتديها سائقي القوارب التي نبحر بها مصنوعة هناك أيضاً .
على اليمين توجد قرية شيرفوني كلاشتور السلوفاكية منذ حوالي 150 عاماً كان يسكنها مستوطنون ألمان , حيث كانت بولندا منذ قرون مضت، تحد الدولة المجرية على هذا الجزء من ومعبر حدودي بولندي – سلوفاكي .
النهر أمامنا على اليسار حيث رأينا مرفأ التجديف الثاني التابع للرابطة . وفوقه على اليسار ، الجبل الذي يشبه المخروط هو جبل ماسيلوفا جورا، الذي رأيته في بداية الإبحار مقابل المرسى على الجانب السلوفاكي، يمكنك رؤية الدير الأحمر يعود تاريخ بنائه إلى عام 1330.
خلال الابحار ظهر أمامنا ثلاثة تيجان (982م) ، مع 4 مسارات تؤدي إليها تقع على الصخرة الوسطى وبجانب الكتلة الصخرية للتيجان الثلاثة على اليسار يوجد ممر شوبكا الذي يشبه القبة .
شاهدنا كذلك أمامنا مباشرة كتلة وشيني، والجبل الموجود على اليمين هو جبل جورا كلاشتورنا وهو ما يسمى ببوابة بينيني . هذا هو المكان الذي يبدأ فيه مضيق دونايتس ، والذي يبلغ طوله 8كم .
وهناك أيضاً تبدأ حديقة بينيني الوطنية التي أنشئت في عام 1932، وهي أقدم حديقة في بولندا وأوروبا، حيث تم إنشاؤها على حدود دولتين، بولندا وسلوفاكيا.
فقزة اللص
الصخرة الموجودة على اليسار هي “جرابتشها العلوية والصخرة التالية هي “جرابتشها السفلية .
“لاحظ البقعة السوداء , هذه هي بقايا نيران الموقد المشتعلة في هذه المنطقة . عندما لم تكن هناك سدود على الأنهار ، كانت الأسماك تسبح في أعلى النهر لتضع بيضها وهنا كانت نقطة الصيد.
في الليل، كان السكان المحليون يشعلون النيران ويستخدمون الشباك أو الرمح الثلاثي لصيد الأسماك هذا المكان يعرف باسم “مغارة الصيد”.
يوجد أسفل النهر أحد أعمق الأماكن في دونايتس، حيث يبلغ عرضه 12 متراً وعمقه 12 متراً . يطلق على هذا المكان اسم “قفزة اللص . “تقول الأسطورة أنه هنا قفز اللص يانوسيك من الضفة اليمنى إلى الضفة اليسرى، هربًا من رجال الدرك المجريين.
على الجانب الأيمن، يمتد طريق بينينسكا على طول نهر دونايتس ؛ حيث يبلغ طوله حوالي 9كم ويسمح لك بزيارة المضيق سيرًا على الأقدام أو بالدراجة . وقد تم بناؤه على يد البولنديين، حيث تم بناء القسم الأول إلى ليشني بوتوك في السنوات 1875-1870 على يد جوزيف شالاي وبعد وفاته واصلت أكاديمية كراكوف للمهارات بناءه وقد صمم القسم الأخير وأشرف على بنائه البروفيسور ميكولاي زيبليكيفيتش.
هناك على الجانب الايمن نقطة بيضاء على صخرة؛ حيث وصلت المياه إلى هذا المكان خلال فيضان القرن في عام 1934 وقد أدى هذا الحدث إلى ظهور فكرة بناء سد على نهر دونايتس الذي يُعرف اليوم ببحيرة وتشورشتينسكي.
على اليمين ايضا يوجد وادي هوتا، الذي سُمي على اسم فرن لصنع الزجاج . منذ سنوات، كانت القرية مأهولة بالسلوفاكيين، لكن الحكومة طردت السكان في سبعينيات القرن العشرين بسبب التحفظ الصارم على القرية.
يقع أمامنا جبل هوليكا السلوفاكي (830م) الذي يطلق عليه أصحاب الطوافات اسم جبل الرهبان السبعة بسبب الصخور الظاهرة على منحدره والتي تشبه قلنسوات الرهبان السبعة .
أمامنا جبل فاشميخ، وهو الجانب الآخر من الجبل، والذي كان يشكل الجزء الأيسر من بوابة بينيني (كتلة “وشينا “الصخرية ) . هنا هو المنعطف الأكثر حدة الذي يصنعه نهر دونايتس وقد كان أصعب مكان لعبور الطوافات الناقلة للأخشاب وغيرها من البضائع منذ زمن طويل .
المياه الهادئة، خلف المنعطف، هو الجزء المسمى “لينيفي “هنا يتدفق النهر بهدوء ويسمح لراكبي الطوافات بالراحة على اليسار، يمكنك أن ترى الصخور، وهي جزء من كتلة التيجان الثلاثة التي ابتعدنا عنها .
إبحار حول التيجان الثلاثة
لقد قمنا بالإبحار حول التيجان الثلاثة من ثلاث جهات : نقطة مقدسة في الصخر هي علامة مسار قارب يوحنا بولس الثاني، منذ سنوات، قام كارول فويتيلا بالإبحار في نهر دونايتس مع مجموعة من الشباب. هكذا تم إحياء ذكرى الحدث المجرى المجاور له هو بينينسكي بوتوك، وهو الرافد الوحيد على الضفة اليسرى للنهر في قسم مضيق دونايتس.
أمامنا مباشرةً سوكوليتسا، المعروفة باسم ملكة بينيني (747م ) . يمكن الوصول إليها سيراً على الأقدام من كروشتيينكا ناد دوناييتسم أو شتشافنيتسا. ويمتلئ الجزء العلوي من الصخرة بأشجار الصنوبر المعمرة التي يبلغ عمرها حوالي 500 عام.
ويوجد في هذا المكان أعمق مكان على طريق رحلتنا والذي يصل عمقه إلى 18 متراً. لقد مررنا بالمحطة السلوفاكية الأخيرة من رحلتنا، هنا في هذا المكان تنتهي الحدود على نهر دونايتس من هذه النقطة، تنتمي ضفتا النهر إلى بولندا وتبتعد الحدود بين بولندا وسلوفاكيا عن النهر وتمر عبر قمم الجبال.. في الجهة المقابلة لهوكوفا سكالا ، هنا ينتهي مضيق نهر دونايتس .
على اليسار، يبدأ المسار السياحي المؤدي إلى سوكوليتسا حيث تستخدم القوارب الموجودة هنا لنقل السائحين من الضفة إلى الضفة الأخرى الذين يبدأون أو ينهون رحلتهم إلى سوكوليتسا.
تاريخ الطوافات الخشبية :
قال لنا سائق القارب الخشبي ان أصول ركوب الطوافات الخشبية في نهر دونايتس تعود إلى زمن بعيد، حيث كانت ذروتها في النصف الأول من القرن 19 وترتبط ارتباطًا وثيقًا بتطوير المنتجعات الصحية في مدينة شتافنيتسا .
في البداية، كان سكان مرتفعات جبال بينيني ينقلون الأخشاب العائمة في نهر دونايتس، وفي وقت لاحق، بالإضافة إلى هذه المواد الخام، كانوا ينقلون أيضا الفحم والقطران والفواكه المجففة والحبوب من محيط منطقتي ونسكا ونوفي سونشا .وقد قام عمال الطوافات من بينيني بنقل بعض البضائع حتى جدانسك وبعضها الآخر حتى تارنوفا ويشته يوزوسكيجو، حيث يصب نهر دونايتس في نهر فيستولا .
يقول سائق القارب الخشبي انه ورث المهنة عن والده واجداده منذ عام 1934 ، الذين شكلوا الرابطة البولندية لركوب الطوافات في بينسك على نهر دونايتس وهم يواصلون تقليد ركوب الطوافات السياحية الموجود منذ عام 1832 .
ويضيف قائلا اثناء الرحلة – المغامرة ” يتم توارث تاريخنا من جيل إلى جيل، والذي تم تقديره في 28 يونيو 2023 حيث تم إدراج ركوب الطوافات في القائمة الوطنية للتراث الثقافي غير المادي تقاليد ركوب الطوافات على نهر دونايتس في بينيني .