الصحة

«عضة البرد».. مرض تسببه درجات الحرارة المنخفضة

زينب حسن

تكثر الإصابة بما يسمى قضمة الصقيع أو عضة البرد، بسبب التعرض لدرجات الحرارة شديدة الانخفاض لمدة طويلة نسبياً، حيث يتأذى الجلد وما تحته من أنسجة بسبب البرد.
يحدث ذلك عند تعرض الأنسجة الرخوة لدرجة حرارة تراوح بين 4 درجات تحت الصفر و درجتين تحت الصفر، وفي حالة تعرض الجلد لهذا المستوى من البرد مع وجود الرياح والمطر يصل الجلد إلى مرحلة التجمد.
وتعتبر الأطراف والأصابع والأنف والأذن هي الأعضاء الأكثر تعرضاً للإصابة، ويمكن أن يتعدى التجمد إلى طبقات الجلد العميقة نتيجة التعرض للصقيع، ما يؤدي إلى التورم، وتكون من الشدة بحيث تشبه عضة حيوان مفترس، ولذلك سميت بهذا الاسم.

كما يمكن أن يصاب الإنسان بقضمة الصقيع عند ملامسة الجلد للأسطح الباردة للغاية، ويمكن أن يؤدي التعرض لهذا الأمر في تجمد الجلد فور ملامسته للأسطح المتجمدة،
وفي هذا الموضوع سوف نوضح مشكلة قضمة الصقيع، والعوامل والمسببات التي تؤدي إلى الإصابة بها، وطرق الوقاية منها، وأساليب العلاج الممكنة والحديثة لعلاج هذه الحالة المرضية.
آلية الإصابة

تصيب قضمة الصقيع في العادة المناطق التي تكون الدورة الدموية فيها غير كافية، مثل نهايات أصابع اليد والقدمين وشحمة الأذن وطرف الأنف وغيرها، وهذه المناطق تكون غير مغطاة بصورة جيدة.
من المعتاد ألا يلاحظ المصاب إصابته بهذه الحالة فيها، نتيجة الخدر الذي يصيب هذه المناطق، ولا يشعر الشخص إلا بعد تغير مظهر المنطقة المصابة، وهو ما يلفت انتباه الآخرين وبالتالي يلفتون انتباهه.
تحدث هذه الإصابة بسبب فقد الجسم لحرارته وبالتزامن مع هبوط هذه الحرارة، وفي هذه الحالة فإن الجسم يفقد حرارته بسرعة تزيد على إنتاجه لها، ويؤدي انخفاض درجات الحرارة الأساسية للجسم في تقليل نشاط الدورة الدموية، وذلك يشكل خطراً على الأعضاء الحيوية.
ويقوم الجسم نتيجة لذلك بعملية استجابة تعويضية للحفاظ على الأعضاء المهمة لاستمرار الحياة على حساب الأطراف، فيقوم بتضييق الأوعية الدموية في الأطراف لتقل الدورة الدموية فيها، وكذلك فإن اتصال المصاب المباشر مع شيء بارد مثل قطعة من الثلج أو الجليد، وهذا الاتصال يؤدي إلى تقليل درجة الحرارة وتجميد الأنسجة.

طقس بارد

يؤدي تعرض الإنسان لدرجات الحرارة المنخفضة إلى إصابته بقضمة الصقيع، ويحدث ذلك في الطقس البارد أو عند لمس شيء بارد فترة طويلة، وتكثر هذه الظاهرة في حوادث انفجارات حاويات الغاز أو المبردات في مجال الغاز المسال بالتبريد، وعلى سبيل المثال الغاز الطبيعي المسال، حيث تبلغ درجة حرارته سالب 163، والغاز النفطي وتبلغ درجة حرارته 40 تحت الصفر أثناء تحرره.
وتلعب عدة عوامل دوراً في الإصابة بعضة البرد منها، ارتداء ملابس غير مناسبة أو لا تحمي من الطقس البارد أو الرطب، وتعرض الملابس للبلل ثم التعرض بعدها للبرد الشديد، وكذلك عدم تغطية الجسم بما يكفي في حال التعرض لدرجات حرارة منخفضة، والبقاء في العراء وقتاً طويلاً، ولمس مواد صقيعية مثل الثلج والمعادن ذات الحرارة المنخفضة.
ويمكن أن يؤدي للإصابة بقضمة الصقيع ضعف الجسم نتيجة التعب والعمل البدني والجوع، أو التعرض لإصابة بدنية والجفاف، وكذلك استهلاك الكحول، ويعتبر المدخنون من الفئات المعرضة للإصابة بشدة، وذلك لأن التدخين يضيق الأوعية الدموية، وبالتالي فإن الدورة الدموية تكون أبطأ، ما يسمح لعضة البرد أن تنتشر .
ومن أكثر الفئات عرضة للإصابة الأطفال وكبار السن، وهناك عدد من الأمراض تجعل المصابين بها عرضة أكبر للتعرض لقضمة الصقيع، مثل مرضى الاكتئاب والسكري وأمراض الأوعية الدموية والقلب، وأمراض الغدة الدرقية والمصابين بظاهرة رينود.
وكذلك المرضى الذين يعالجون بحاصرات بيتا، حيث إنها تقلل من جريان الدم إلى الجلد، وعامة فإن الأشخاص المعرضين للتأثر بشدة ينصحون بتجنب التغيرات المتطرفة لدرجات الحرارة وكذلك البرد الشديد.

لسعة الصقيع

تحدث قضمة الصقيع على 3 مراحل، الأولى وتسمى لسعة الصقيع أو العضة البسيطة، وتعد أبسط أشكال الإصابة، وفي هذه المرحلة يصاب الجلد بالاحمرار مع الشعور بالبرد الشديد.
واستمرار التعرض للبرد يؤدي للشعور بالتنميل أو الخدر في المنطقة المصابة، ويشعر المصاب بالألم والوخز مع تدفئة الجلد، وفي الغالب فإن هذه المرحلة لا يصاب الجلد فيها بضرر دائم.
أما المرحلة الثانية وتسمى قضمة الصقيع السطحية أو العضة السطحية، ويتحول لون الجلد فيها من الأحمر إلى الأبيض الرمادي أو يكون شديد الشحوب، وبالرغم من أن الجلد يظل ناعماً، فإنه يمكن أن تتشكل بعض بلورات الثلج في الأنسجة، ويمكن أن تنتفخ المنطقة المصابة.
وبعد التدفئة بنحو 24 ساعة يمكن أن تظهر فقاقيع مليئة بالسوائل، وفي المرحلة الثالثة وتسمى قضمة الصقيع العميقة أو العضة الشديدة، وفيها تصل الإصابة إلى طبقات الجلد العميقة، وبالتالي فإن تأثير الإصابة يمتد لجميع طبقات الجلد.
ويمكن أن يشعر المصاب بخدران غير حقيقي يفضي به إلى فقد أي إحساس بالبرد أو الألم، ويمكن أن تفقد المفاصل أو العضلات القدرة على أداء وظائفها، وعقب التدفئة بحوالي 24 إلى 48 ساعة، يمكن أن تظهر فقاقيع على الجلد كبيرة، ويتحول لون البشرة إلى الأسود، وتصير صلبة، إشارة إلى موت الأنسجة التي أصيبت.

تنميل ووخز

تظهر عضة البرد في البداية على هيئة إحساس مؤلم بالبرد مع شحوب الجلد، ثم يشعر المصاب بالتنميل، وبعدها تبدو المنطقة المصابة بيضاء وشمعية وقاسية وباردة ولا يوجد بها أي إحساس، وذلك نتيجة انقباض الأوعية الدموية وعدم وصول الدم إلى المنطقة المصابة، وتكون الأعراض الأولية على شكل إحساس بالتنميل والوخز ثم إحساس بالتخدير، ويشعر المريض في البداية بألم في مكان الإصابة، ثم يفقد الإحساس تماماً، وعندها يشعر كأنها قطعة خشب.
تتسع الأوعية الدموية عند ذوبان الجلد ووصول الدم إلى المنطقة المصابة، ويصبح لونه أحمر، وفي الحالات الشديدة يبيض ويكون فاقد الإحساس، وتكون قضمة الصقيع شديدة كلما تعرض المصاب للبرد ببطء ولمدة طويلة.
وتسبب هذه الإصابة في الحالات الشديدة تورم الخلية، وتجلط كريات الدم الحمراء وصفائح الدم، وارتفاع ضغط موضعي، ويمكن أن تتسبب في موت النسيج، وتلف في الأنسجة الداخلية مثل العضلات والأربطة والعظام والأعصاب.

الإسعافات الأولية

ينصح بطلب الرعاية الطبية في حالة ملاحظة تعرض المصاب بقضمة الصقيع إلى الإصابة بالحمى أو الدوخة أو تورم واحمرار، وتصريف للسوائل من المنطقة المصابة.
ويتم تشخيص حالة المصاب بقضمة الصقيع من خلال الفحص البدني ووصف الحادثة التي أدت للإصابة ومتى وقعت، وفي الحالات الشديدة يمكن الاستعانة بالأشعة السينية لتقييم الأضرار التي لحقت بالعظام والعضلات.
ويجب عدم الاستهانة بعضة البرد لأن استمرارها دون علاج يمكن أن يزيد الحالة خطورة، فيتحول التجمد المؤقت في الأنسجة إلى تلف دائم بها، ويصل الأمر في بعض الحالات إلى موت النسيج ما يؤدي إلى بتر العضو.
ويمكن ترتيب العلاج بحسب الإصابة، ففي حالة التعرض للعضة البسيطة يكون الاكتفاء بالمعالجة المنزلية، وتتم بتدفئة الجزء المصاب بغمسه في وعاء ماء دافئ.
كما يمكن الاستفادة من حرارة الجسم بتدفئة الجزء المصاب مثل اليد، من خلال وضعها تحت الإبطين، ويلاحظ عدم استخدام النار للتدفئة لأنها يمكن أن تسبب تلفاً زائداً في الأنسجة، وفي حالة التعرض للعضة السطحية لا تفيد العلاجات المنزلية، وإنما يمكن اعتبارها مجرد إسعافات أولية حتى يتم الحصول على العلاج من مختص.
ويتم تعريض الجزء المصاب للماء الدافئ سريعاً لمدة من 10 دقائق إلى 25 دقيقة، مع محاولة التخلص من أي بثور، وتنظيف المكان المصاب ولفه بضماد فضفاض مع رفعه، ويمكن تناول دواء يخفف من التورم، كما أن تناول مضاد حيوي يفيد في الوقاية من الالتهابات والعدوى، وفي بعض الحالات يتم إعطاء جرعة من التيتانوس وقاية من التسمم، كما أن الحالات الشديدة يحتاج المريض بها إلى مخدر لتسكين الألم.

خطوات للوقاية

تقدم المؤسسات الطبية العالمية بعض الإرشادات والنصائح المهمة للوقاية من الإصابة بقضمة البرد، ويعتبر أفضل نصيحة للوقاية من الإصابة بعضة البرد هو ارتداء الملابس المناسبة، والتي توفر للبشرة الحماية من الصقيع أو البرد الشديد، وعلى الأخص الأطراف من خلال ارتداء القفازات والجوارب وتغطية الأذنين والوجه.
ويجب تعليم الأطفال أهمية ارتداء الملابس الثقيلة وتعويدهم على هذا الأمر، حيث إنهم أكثر عرضة للإصابة بقضمة الصقيع، وذلك بسبب أنهم يفقدون الحرارة أسرع من البالغين.
ويفضل تجنب الخروج من البيت في حالة انخفاض درجات الحرارة الشديد، وفي حالة الاضطرار يجب ارتداء طبقات متعددة من الملابس والتأكد من حماية أجزاء البشرة كلها.
ومن المفيد توفير الإسعافات الأولية لقضمة الصقيع، والتي لا يمكن توقع حدوثها في متناول اليد مع البطانيات والقفازات والقبعات، ووجبات خفيفة حتى وصول المساعدة.
وبالنسبة للمرضى الذين يتناولون أدوية نقص التروية الدموية، يستحسن استبدالها بأدوية آثارها الجانبية مختلفة، ومن الضروري عدم التوقف عن الحركة حتى تبقى الدورة الدموية مستمرة، وعند التعرض لانخفاض درجة الحرارة والرجفة فيجب التحرك وتدفئة الجسم على الفور.

– See more at: http://www.alkhaleej.ae/supplements/page/344b4ef3-2201-4ead-9e41-08137919b050#sthash.qcHhdajE.dpuf

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى