مقالات

عبدالمنعم إبراهيم: ضربة فجرية تعيد خلط أوراق سوريا

في الساعات الأولى من فجر اليوم، نفّذت طائرات الاحتلال الإسرائيلي غارة جوية استهدفت منطقة محيط القصر الرئاسي السوري بدمشق.

لكن هذه الضربة ليست مجرد عملية عسكرية اعتيادية، بل جزء من هندسة دقيقة يعاد بها رسم المشهد السوري بالكامل، بضربات محسوبة ورسائل غير معلنة، وبتوظيف أدوات محلية تلعب أدوارًا مزدوجة.

لم تكن رسالة للنظام

لم تعد الضربات الإسرائيلية تُوجّه لمواقع رمزية، بل لمن يتحكمون فعليًا في الأرض والمعادلة.

الضربة جاءت لتصويب المشهد وتوجيه إنذار للقوى التي خرجت عن النص أو حاولت تقديم نفسها كبديل للسلطة التقليدية.

الجولاني: الأداة التي ترفض أمام الكاميرا وتنفذ في العمق

ظاهريًا، يقدم الجولاني نفسه كـ”قوة متمردة” ترفض أي تسوية أو تهجير أو تدخل خارجي.

لكن واقع الميدان وقراءة التحركات تكشف أنه أصبح أداة إسرائيلية تركية بامتياز، تُستخدم لضرب مراكز التأثير المستقلة شمال سوريا، ومنع أي تشكيل وطني حقيقي خارج الرعاية الاستخباراتية.

يُعارض التهجير في العلن، لكنه يُسهّل السيطرة الأمنية على الأرض.

يرفض التسويات إعلاميًا، لكنه يلتزم بالخطوط الحمراء التي ترسمها تل أبيب وأنقرة.

الضربة الإسرائيلية لم تكن لاختباره، بل لإعادة ضبط دوره بدقة: لا تتجاوز مهمتك، ولا تتوهم أنك شريك حقيقي.

تركيا: الشريك التنفيذي في مشروع التقسيم

الرسالة الأخرى وُجّهت لتركيا، التي تواصل تحركاتها لإعادة تشكيل الشمال السوري عبر وكلاء محليين، وتُعد العدة لمشروع تقسيم ناعم يخدم مصالحها الإقليمية ويمنح إسرائيل “شريط أمان” استراتيجي.

الضربة جاءت كتحذير ناعم: لا تكملي إعادة هندسة الخريطة وحدك. اللعبة أكبر من حدودك.

نحو تقسيم غير معلن لسوريا

المشهد الميداني يؤكد أن الضربات ليست حوادث فردية، بل خطوات استراتيجية تُنفّذ بالتوازي مع تفاهمات غير معلنة لتقسيم سوريا فعليًا دون إعلان رسمي:

الشمال تحت الرعاية التركية.

الشرق بقيادة كردية – أمريكية.

الجنوب تحت العين الإسرائيلية.

الساحل محكوم بالتوازن الإيراني – الروسي.

العاصمة مجرد واجهة رمزية بلا قرار.

خلاصة المشهد:

الضربة لم تكن موجهة لأفراد أو منشآت، بل لترتيب المشهد السوري قبل التسوية الكبرى.

الجولاني لم يعد خصمًا لإسرائيل، بل أداة تعمل ضمن هامش الدور المرسوم لها.

تركيا لم تعد ضامنًا أو وسيطًا، بل شريك في التقسيم.

ما جرى فجر اليوم، هو تدشين عملي لمرحلة ما بعد سوريا الموحدة… ومرحلة تثبيت اللاعبين الحقيقيين في رقعة شطرنج إقليمية معقدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى