48 عامًا على ذكرى تنصيب”السادات” رئيسًا لمصر

تقرير – محمد عيد:
اشتهر بجرأته وحنكته ودهائه السياسي، ورأى مؤيدو سياسته أنه الرئيس العربي الأكثر جرأة وواقعية في التعامل مع قضايا المنطقة وأنه انتشل مصر من براثن الدولة البوليسية ومراكز القوى ودفع بالاقتصاد المصري نحو التنمية والازدهار، وهو ما ظهر بوضوح في قضائه على خصومه السياسيين فيما عرف بثورة التصحيح. عمل السادات على التحضير لاسترجاع شبه جزيرة سيناء من قبضة إسرائيل إثر النكسة في حرب 1967 حيث تمكن بإدارته من هزيمتها بعد ثلاث سنوات من بداية حكمه في حرب أكتوبر 1973.
وعلى النقيض من ذلك يرى آخرون أنه قوض المشروع القومي العربي وحيّد الدور الإقليمي المصري في المنطقة وقضى على مشروع النهضة الصناعية والاقتصادية ودمر قيم المجتمع المصري وأطلق العنان للتيارات الإسلامية.
محمد أنور السادات، الحاصل على جائزة نوبل للسلام، عام 1978 ، مناصفة مع رئيس وزراء إسرائيل مناحم بيجن، إثر توقيع معاهدة السلام في كامب ديفيد، وهو ما تسبب في ردود فعل معارضة داخل مصر والدول العربية، ما أدى إلى اغتياله في يوم 6 أكتوبر 1981 أثناء عرض عسكري احتفالًا بانتصارات حرب أكتوبر.
ولد أنور السادات في قرية ميت أبو الكوم بمحافظة المنوفية، في 25 ديسمبر 1918، وتخرج من الأكاديمية العسكرية عام 1938، وانضم إلى حركة الضباط الأحرار التي قامت بالثورة على حكم ملك البلاد وقتها فاروق الأول في عام 1952، وتقلد عدة مناصب كبرى في الدولة منذ ذلك الحين مثل منصب وزير دولة في سبتمر 1954، ورئيسًا لمجلس الأمة من 21-7-1960 إلي 27-9-1961، ورئيسًا لمجلس للأمة للفترة الثانية من 29-3-1964 إلى 12-11-1968، كما اختاره جمال عبد الناصر نائبًا له حتى وفاته يوم 28 سبتمبر 1970، ليتولى الرئاسة فعليًا في 17 أكتوبر 1970، بعد وفاة “ناصر”.
شغل الاحتلال البريطاني لمصر بال السادات، كما شعر بالنفور من أن مصر محكومة بواسطة عائلة ملكية ليست مصرية، كذلك كان يشعر بالخزي والعار من أن الساسة المصريين يساعدون في ترسيخ شرعية الاحتلال البريطاني، فتمنى أن يبني تنظيمات ثورية بالجيش تقوم بطرد الاحتلال البريطاني من مصر، فقام بعقد اجتماعات مع الضباط في حجرته الخاصة بوحدته العسكرية بمنقباد وذلك عام 1938، وكان تركيزه في أحاديثه على البعثة العسكرية البريطانية وما لها من سلطات مطلقة، وأيضًا على كبار ضباط الجيش من المصريين وانسياقهم الأعمى إلى ما يأمر به الإنجليز، كما شهدت هذه الحجرة أول لقاء بين السادات وكل من جمال عبد الناصر، وخالد محي الدين، ورغم إعجاب السادات بغاندي إلا أنه لم يكن مثله الأعلى بل كان المحارب السياسي التركي مصطفى كمال أتاتورك، حيث شعر السادات بأن القوة وحدها هي التي يمكن من خلالها إخراج البريطانيين من مصر وتغيير النظام الفاسد والتعامل مع الساسة الفاسدة، كما فعل أتاتورك في اقتلاع الحكام السابقين لتركيا.
ولكن كيف يتحقق ذلك وهو في وحدته ب منقباد، وفي أوائل 1939 اختارته القيادة للحصول على فرقة إشارة بمدرسة الإشارة بالمعادي هو ومجموعة أخرى كان منهم جمال عبد الناصر، لم يكن عنده أمل في العمل بسلاح الإشارة الذي أنشئ حديثًا في الجيش حيث كان من أهم أسلحة الجيش في ذلك الوقت، ولابد لوجود واسطة كبيرة لدخوله، وفي نهاية الفرقة كان عليه إلقاء كلمة نيابةً عن زملائه قام هو بإعدادها، وكانت كلمة هادفة ذات معنى علاوة على بلاغته وقدرته في إلقائها دون الاستعانة كثيرًا بالورق المكتوب، وذلك ما لفت نظر الأميرآلاي إسكندر فهمي أبو السعد، وبعدها مباشرةً تم نقله للعمل بسلاح الإشارة، وكانت تلك النقلة هي الفرصة التي كان السادات ينتظرها لتتسع دائرة نشاطه من خلال سهولة اتصاله بكل أسلحة الجيش، كانت الاتصالات في أول الأمر مقتصرة على زملاء السلاح والسن المقربين، ولكن سرعان ما اتسعت دائرة الاتصالات بعد انتصارات “الألمان” تحت حكم هتلر عام 39، 40، 41 وهزائم الإنجليز.
في هذه الأثناء تم نقل السادات كضابط إشارة إلى مرسى مطروح، كان الإنجليز في تلك الأثناء يريدون من الجيش المصري أن يساندهم في معركتهم ضد الألمان، ولكن الشعب المصري ثار لذلك مما اضطر علي ماهر رئيس الوزراء في ذلك الوقت إلى إعلان تجنيب مصر ويلات الحرب كما أقر ذلك البرلمان بالإجماع، وبناءً على ذلك صدرت الأوامر بنزول الضباط المصريين من مرسى مطروح وبذلك سوف يتولى الإنجليز وحدهم الدفاع، وذلك ما أغضبهم فطلبوا من كل الضباط المصريين تسليم أسلحتهم قبل انسحابهم من مواقعهم. ثارت ثورة الضباط، وكان إجماعهم على عدم التخلي عن سلاحهم إطلاقًا حتى لو أدى ذلك للقتال مع الإنجليز لأن مثل هذا الفعل يعتبر إهانة عسكرية، وذلك ما جعل الجيش الإنجليزي يستجيب للضباط المصريين.
وفي صيف 1941 قام السادات بمحاولته الأولى للثورة في مصر، وبدت السذاجة لخطة الثورة فقد كانت معلنة، حيث كانت تقضي بأن كل القوات المنسحبة من مرسى مطروح سوف تتقابل بفندق مينا هاوس بالقرب من الأهرامات، وفعلًا وصلت مجموعة السادات الخاصة إلى الفندق وانتظرت الآخرين للحاق بهم، حيث كان مقررًا أن يمشي الجميع إلى القاهرة لإخراج البريطانيين ومعاونيهم من المصريين، وبعد أن انتظرت مجموعة السادات دون جدوى، رأى السادات أن عملية التجميع فاشلة ولم تنجح الثورة.
كانت أيام حرية السادات معدودة، حيث ضيق الإنجليز قبضتهم على مصر، وبالتالي على كل مناضل مصري يكافح من أجل حرية بلاده مثل أنور السادات، فتم طرد السادات من الجيش واعتقاله وإيداعه سجن الأجانب عدة مرات، حيث قام بالاستيلاء على جهاز لاسلكي من بعض الجواسيس الألمان “ضد الإنجليز” وذلك لاستغلال ذلك الجهاز لخدمة قضية الكفاح من أجل حرية مصر، وفي السجن حاول السادات أن يبحث عن معاني حياته بصورة أعمق وبعد أن مضى عامين (1942 : 1944) في السجن قام بالهرب منه حتى سبتمبر 1945 حين ألغيت الأحكام العرفية، وبالتالي انتهى اعتقاله وفقًا للقانون، وفي فترة هروبه هذه قام بتغيير ملامحه وأطلق على نفسه اسم الحاج محمد، وعمل تبّاعًا على عربة تابعة لصديقه الحميم حسن عزت، ومع نهاية الحرب وانتهاء العمل بقانون الأحوال العسكرية عام 1945 عاد السادات إلى طريقة حياته الطبيعية، حيث عاد إلى منزله وأسرته بعد أن قضى ثلاث سنوات بلا مأوى.
في عام 1941 دخل السجن لأول مرة أثناء خدمته العسكرية وذلك إثر لقاءاته المتكررة بعزيز باشا المصري الذي طلب منه مساعدته في الهروب إلى العراق، بعدها طلبت منه المخابرات العسكرية قطع صلته بالمصري لميوله المحورية غير أنه لم يعبأ بهذا الإنذار فدخل على إثر ذلك سجن الأجانب في فبراير عام 1942. وقد خرج من سجن الأجانب في وقت كانت فيه عمليات الحرب العالمية الثانية على أشدها، وعلى أمل إخراج الإنجليز من مصر كثف اتصالاته ببعض الضباط الألمان الذين نزلوا مصر خفية فاكتشف الإنجليز هذه الصلة مع الألمان فدخل المعتقل سجينًا للمرة الثانية عام 1943. لكنه استطاع الهرب من المعتقل، ورافقه في رحلة الهروب صديقه حسن عزت. وعمل أثناء فترة هروبه من السجن عتالاً على سيارة نقل تحت اسم مستعار هو الحاج محمد. وفي أواخر عام 1944 انتقل إلى بلدة أبو كبير بالشرقية ليعمل فاعلًا في مشروع ترعة ري. وفي عام 1945 ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية سقطت الأحكام العرفية، وبسقوط الأحكام العرفية عاد إلى بيته بعد ثلاث سنوات من المطاردة والحرمان.
بعد خروجه من السجن عمل مراجعًا صحفيًا بمجلة المصور حتى ديسمبر 1948. وعمل بعدها بالأعمال الحرة مع صديقه حسن عزت. وفي عام 1950 عاد إلى عمله بالجيش بمساعدة زميله القديم الدكتور يوسف رشاد الطبيب الخاص بالملك فاروق.
بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970 وكونه نائبًا للرئيس أصبح رئيسًا للجمهورية. وقد اتخذ في 15 مايو 1971 قرارًا حاسمًا بالقضاء على مراكز القوى في مصر وهو ما عرف بثورة التصحيح، وفي نفس العام أصدر دستورًا جديدًا لمصر.
وقام في عام 1972 بالاستغناء عن ما يقرب من 17000 خبير روسي في أسبوع واحد، ولم يكن خطأ استراتيجي ولم يكلف مصر الكثير إذ كان السوفييت عبئًا كبيرًا على الجيش المصري، وكانوا من قدامى العسكريين السوفيت والمحالين على التقاعد، ولم يكن لهم أي دور عسكري فعلي خلال حرب الاستنزاف على الإطلاق، وكان الطيارون السوفييت برغم مهمتهم في الدفاع عن سماء مصر من مطار بني سويف، إلا أنهم كانوا قد فشلوا في تحقيق المهمة بالكامل، والدليل خسارتهم لست طائرات (ميج 21) سوفيتية بقيادة طيارين سوفيت في أول وآخر اشتباك جوي حدث بينهم وبين الطائرات الإسرائيلية، والحقيقة التي يعرفها الكثيرون بأن إقدام السادات على هذا التخلي كان من أهم خطوات حرب أكتوبر، حيث أراد السادات عدم نسب الانتصار إلى السوفيت.
وفي 6 أكتوبر 1973، أعطى “السادات”، شارة الحرب، وانطلق الجيش المصري في الثانية ظُهرًا، وانتصر على العدو الصهيوني، واستطاع تحرير سيناء، في حرب وصفت بأنها المعجزة، حيث استطاعت القوات المسلحة المصرية، إلحاق الهزيمة الجيش الذي لايُقهر.
بتاريخ 19 نوفمبر 1977 اتخذ الرئيس السادات قراره الذي سبب ضجة بالعالم العربي بزيارته للقدس وذلك ليدفع بيده عجلة السلام بين مصرو إسرائيل. وقد قام في عام 1978 برحلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية من أجل التفاوض لاسترداد الأرض وتحقيق السلام كمطلب شرعي لكل دولة. وخلال هذه الرحلة وقع اتفاقية السلام في كامب ديفيد برعاية الرئيس الأمريكي جيمي كارتر. وقد وقع معاهدة كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل مع كل من الرئيس الأمريكي جيمي كارتر ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن. الاتفاقية هي عبارة عن إطار للتفاوض يتكون من اتفاقيتين الأولى إطار لاتفاقية سلام منفردة بين مصر وإسرائيل والثانية خاصة بمبادئ للسلام العربي الشامل في الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان.
وقد انتهت الاتفاقية الأولى بتوقيع معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية عام 1979 والتي عملت إسرائيل على إثرها على إرجاع الأراضي المصرية المحتلة إلى مصر.
وقد حصل على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن وذلك على جهودهما الحثيثة في تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط.
بحلول خريف عام 1981 قامت الحكومة بحملة اعتقالات واسعة شملت المنظمات الإسلامية ومسؤولي الكنيسة القبطية والكتاب والصحفيين ومفكرين يساريين وليبراليين ووصل عدد المعتقلين في السجون المصرية إلى 1536 معتقلًا وذلك على إثر حدوث بوادر فتن واضطرابات شعبية رافضة للصلح مع إسرائيل ولسياسات الدولة الاقتصادية.
في 6 أكتوبر من عام 1981 (بعد 31 يوم من إعلان قرارات الاعتقال)، تم اغتياله في عرض عسكري كان يقام بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر، وقام بالاغتيال خالد الإسلامبولي وحسين عباس وعطا طايل وعبد الحميد عبد السلام التابعين للمنظمة الجهاد الإسلامي التي كانت تعارض بشدة اتفاقية السلام مع إسرائيل، حيث قاموا بإطلاق الرصاص على الرئيس السادات مما أدى إلى إصابته برصاصة في رقبته ورصاصة في صدره ورصاصة في قلبه. وجاء اغتيال السادات بعد أشهر قليلة من حادثة مقتل المشير أحمد بدوي وبعض القيادات العسكرية في تحطم طائرته الهليكوبتر بشكل غامض جدًا، مما فتح باب الشكوك حول وجود مؤامرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى