البرلمان يرد على مقال الشروق «الدرس الفرنسي الخشن»

كتبت – نوران أشرف:

قال النائب الدكتور صلاح حسب الله المتحدث الرسمى باسم مجلس النواب ردا وتوضيحا لرئيس تحرير الشروق عماد الدين حسين جاء فيه:
طالعت بكثير من الاهتمام مقال الأستاذ محمد سعد عبدالحفيظ المنشور فى جريدة الشروق بعنوان (الدرس الفرنسى الخشن) والذى علق فيه على عدم استخدام مجلس النواب الاستجواب كأداة رقابية، وذهب إلى أن تبرير ذلك كان بناء على معلومة مشكوك فيها من جانب رئيس مجلس النواب مما تجب مراجعته، وأن الجمعية الوطنية الفرنسية تمارس الاستجواب كأداة رقابية استنادا إلى المادتين (48، 49) من الدستور الفرنسى لعام 1958 تحت مسمى (اقتراح اللوم)، وأن آخر الاستجوابات جرى أمام الجمعية الوطنية وكان يوم الإثنين الماضى حيث مثل وزير الداخلية الفرنسى أمام لجنة تحقيق برلمانية فى إطار قضية (الكسندر بينالا) الحارس الشخصى للرئيس الفرنسى، وختم مقاله بأن ما حدث فى البرلمان الفرنسى لم يدفع أحدا لاتهام الصحافة أو نواب البرلمان بالسعى لهدم الدولة أو ضرب استقرارها.
ولما كان احترام التخصص أمرا مطلوبا، واستقاء المعلومات الصحيحة من مصادرها السليمة واجبا يفرضه ميثاق الشرف الصحفى، وكان لجميع الآراء تقديرها واحترامها حتى وإن اختلفنا معها، فأود أن أضع تحت بصركم الملاحظات الآتية:
1. تكاد تتفق الأنظمة النظم السياسية فى العالم على أن الرقابة على أعمال الحكومة إحدى وظائف البرلمان الأساسية مع الاختصاص التشريعى والمالى، ومع ذلك تتنوع أدوات الرقابة على أداء الحكومة من دولة إلى أخرى، وتتدرج فى مدى أهميتها وخطورتها.
2. إن الدستور المصرى يعرف أدوات برلمانية متعددة للرقابة على أعمال الحكومة، تبدأ من تقديم الأسئلة، وطلبات الإحاطة والبيانات العاجلة، والمقترحات والشكاوى، وطلبات المناقشة العامة، مرورا بتشكيل لجان تقصى الحقائق، ثم اخيرا الاستجواب، ثم سحب الثقة، ولكل أداة منها معنى ومدلول خاص.
3.إن الاستجواب كأداة رقابة برلمانية فى حقيقته اتهام للحكومة أو أحد أعضائها بارتكاب تجاوزات أو أخطاء معينة، يكون على مقدم الاستجواب اثباتها عن طريق وقائع محددة بجميع طرق الإثبات، وتشمل مراحل نظره مناقشات للوقوف على حقيقة الاتهام ومواجهة المستجوب بها والاستماع إلى رده فى خصوصه. فإذا ما رأى المجلس صحة الاتهام كان لمجلس النواب سحب الثقة من الحكومة بإجراءات محددة.
4. إن الدستور المصرى أجاز لأعضاء مجلس النواب تقديم الاستجواب بموجب المادة (130) من الدستور، فى حين نظم سحب الثقة من الحومة بموجب المادة (131) منه، أى إن الاستجواب شىء ــ فهو اتهام مبنى على وقائع محددة يجب التحقق منها ومواجهة الحكومة بها ــ وسحب الثقة من الحكومة شىء آخر. ويستدل على ذلك بتنظيم كل منهما بمادة مستقلة فى الدستور.
أيضا، إن كان صحيحا أن بعض النظم البرلمانية ــ ومنها النظام المصرى ــ تشترط أن يسبق طلب طرح الثقة نظر استجواب بالمجلس، فإن ثمة أنظمة أخرى كفرنسا وانجلترا والجزائر لا تشترط ذلك، ومن ثم لا يجوز الخلط بين الأداتين، وهو أمر يعرفه جيدا المتخصصون فى القانون الدستورى.
5. إن الدستور الفرنسى الصادر عام 1958 لا يعرف الاستجواب كأداة رقابية اتهامية كما سبق أن (الاستجواب) شىء و(اقتراح اللوم) المنصوص عليه فى المادة (49) من الدستور الفرنسى شىء آخر، والمعلومة التى قيلت فى هذا الشأن فى قاعة المجلس صحيحة ومدققة، والفرق بين الإجراءين كبير لا يدركه إلا أهل التخصص الدقيق، فاقتراح اللوم لا تسبقه تحقيقات أو مواجهة، ولا يشترط له وقائع محددة، بل هو مسألة سياسية محضة. ولعل السبب فى أن الجمهورية الفرنسية لم تأخذ بنظام الاستجواب كأداة برلمانية هو أنها عانت فى ظل دستور الجمهورية الرابعة الصادر عام 1946 وما قبله من دساتير من عدم الاستقرار الحكومى نتيجة إساءة استخدام بعض أعضاء البرلمان أدوات الرقابة البرلمانية، مما أضعف البلاد وحال دون اكتمال برامج وخطط التنمية، وهو ما جعل الدستور الفرنسى يضيق كثيرا من استخدامها حرصا على وقت البرلمان وحرصا على استقرار الحكومة دون اخلال بحق البرلمان فى سحب الثقة من الحكومة.
6. لم يذكر أحد أن البرلمان الفرنسى لا يملك حق مراقبة الحكومة، بل ما قيل إنه لا يعرف الاستجواب كأداة رقابة، وهذا صحيح وثابت فى الكتب والمراجع الفقهية، والكلمات والعبارات التى قيلت فى الجلسة العامة عبارات منضبطة فى مفهومها ومدلولها الدستورى والقانونى بغض النظر عن المدلول الصحفى والإعلامى أو فهم البعض لها.
7. احتفظ دستور 1958 فى فرنسا بمبدأ مسئولية الحكومة السياسية أمام البرلمان، ولكنه نظمها على نحو فريد يبتعد كثيرا عن النظام البرلمانى التقليدى، ومن ذلك التنظيم الدقيق لدور المجلسين والمزج بين النظام البرلمانى ونظام الفصل بين السلطات، وكذلك عدم الأخذ بالاستجواب كأداة رقابة برلمانية على أعمال الحكومة.
وقد ذكرت عدة مراجع باللغتين العربية والفرنسية أن الدستور الفرنسى الحالى 1958 لم يأخذ بنظام الاستجواب، وذلك على الرغم من أن غالبية الفقه الدستورى تعزى إلى فرنسا نشأة الاستجواب فى ظل العمل بدستور 1791.
8. إن رئيس البرلمان ذكر أن (بعض) الاستجوابات المقدمة تأتى غير مكتملة الشروط الشكلية أو الموضوعية، وبالتالى فلا مجال لذكر الاستجواب الذى قدم من النائب محمد بدراوى والذى تم إدراجه فى جدول الأعمال.
9. فيما يخص ما جاء بالمقال في شأن واقعة حارس الرئيس الفرنسي، فإن ما حدث في البرلمان الفرنسي لا يعد من قبيل الاستجواب، بل يندرج ضمن إجراءات اللوم وبدأت بمحض سؤال برلماني شفهي (والأسئلة البرلمانية في فرنسا نوعان: شفهية ومكتوبة) تمت مناقشته ورفضه خلال ٤٨ ساعة، ومن ثم تكون المعلومة التي ذُكرت في مقالكم هي التي تحتاج إلى تدقيق من جانبكم وليس العكس.
واللافت للنظر أن توجيه الأسئلة في مجلس النواب المصري من الإجراءات التي يستخدمها النواب كثيراً وتنظر بصورة شبه يومية بالمجلس ولجانه، لكنها للأسف لا تحظى بالتركيز الكافي من وسائل الإعلام.
10. نظمت المواد: 49ــ51 من الدستور الفرنسى مسألة توجيه اللوم للحكومة (طرح الثقة) وفق إجراءات محددة، حيث يستطيع نواب الجمعية الوطنية طلب تصويت المجلس على قرار بإسقاط الحكومة واتهامها بالمسئولية السياسية. ويتم اقتراح اللوم بمبادرة ذاتية من النواب، أو لمواجهة قيام الحكومة بالربط بين الثقة بها والموافقة على مشروع أو نص قانونى.
11.أن تجارب الدول أثبتت أن كثرة استخدام الاستجوابات يمكن أن يتحول لوسيلة لتصفية الحسابات السياسية والمنافسة بين الأحزاب والكتل البرلمانية والتيارات السياسية التى تجد فيها طريقا لإسقاط الخصوم وتحقيق المصالح الشخصية والتربح السياسى والتشهير من خلال عرض وقائع وأحداث، وكل ذلك لا يحقق مصالح الدولة فى مثل هذه المراحل الدقيقة من عمرها بما يهدر وقت البرلمان المحدود دائما.
12. إن البرلمان المصرى قادر على استخدام جميع أدوات وطرق الرقابة البرلمانية، ولا يحول بينه وبين ذلك شىء، إلا حسن تقدير الصالح العام والحس الوطنى لأعضائه، ومدى توافر الشروط الدستورية والقانونية.
13.إن البرلمان المصرى الحالى يدرك أن طبيعة المراحل التالية للثورات تسهل فيها إسقاط الحكومات وتصيد الأخطاء لكن المجلس أدرك بالحس الوطنى لنوابه أن الأولى هو عملية البناء والتطوير دون الإخلال بأحكام الرقابة والمحاسبة.
والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى