أخبارصوت العربعاجلعرب وعالم

أثر النفوذ الغربي على الاقتصاد والتنمية في دول الساحل

كتبت أمل محمد أمين

أقام المركز الأفريقي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية (أكريس) بالتعاون مع المعهد الدولي للنظم المتقدمة (IRIAS) في موسكو ندوة حول (أثر النفوذ الغربي على التنمية والاقتصاد في دول الساحل) وذلك يوم الأحد الموافق ٢٥ أغسطس في فندق بيراميزا القاهرة . حضر الندوة عدد كبير من الدبلوماسيين ممثلي الدول الأفريقية في مصر منها سفارة النيجر وبوركينا فاسو وليبيريا وتنزانيا والكاميرون وموريتانيا وروسيا والولايات المتحدة الامريكية والاستاذ الدكتور/ طارق وفيق وزير الاسكان والمجتمعات العمرانية الأسبق، بالاضافة إلى ممثلين عن جمعية الشباب التشادية للتطوير الاجتماعي والاقتصادي (AJDST) في نجامينا بتشاد، بالاضافة إلى الأساتذة والخبراء المتخصصين في الشأن الافريقي في العلوم السياسية والاقتصاد وعلم اللغويات الافريقية من الجامعات المصرية والسودانية.

كما حضر الندوة رؤساء الجاليات الأفريقية والطلبة الدارسين بمصر من كل من دولة مالي والنيجر وبنين والسنغال والكاميرون وساحل العاج وجزر القمر وبوركينا فاسو وتشاد وجامبيا وغينيا كوناكري وموريتانيا والسودان. بالاضافة إلى باحثي الماجستير والدكتوراه المهتمين بالشأن الافريقي من دارسي الجامعات المصرية المختلفة. وقد قامت وسائل الاعلام المختلفة المسموعة والمرئية والاليكترونية بتغطية الندوة إعلاميا في مصر وخارجها.

استمرت الندوة على مدار أربع ساعات مقسمة إلى ثلاث جلسات لمناقشة قضية التبعية النقدية لدول الساحل وأثر عملة الفرنك سيفا (CFA) على النمو الاقتصادي والتنمية. كما تمت مناقشة الدور الروسي المأمول في تنمية دول الساحل، ضمت الندوة متحدثين وخبراء من دول أفريقية مختلفة وروسيا ايضا. فقد تحدثت الدكتورة/ غادة فؤاد مديرة المركز الأفريقي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية (ACRESS) عن أهمية مناقشة تلك القضايا في هذا الوقت الحرج الذي تشهد فيه المنطقة كثير من التغيرات المتسارعة مع رغبة الأنظمة الحاكمة الجديدة في الخروج من التبعية النقدية والهيمنة على السياسات المالية والنقدية لدول الساحل، كما قال الاستاذ الدكتور/ أليكسندر أجييف (Alexander I. Ageev)؛ المدير العام للمعهد الدولي لابحاث النظم المتقدمة (IRIAS) في موسكو أن هناك كثير من الفرص الواعدة في منطقة الساحل بفضل التكنولوجيات المتقدمة المتوفرة حاليا ولكن تظل المشكلة الأصعب في هذه المنطقة وهي توفير التمويل، حيث يعاني العالم من مشكلة اساسية في التمويل الدولي تتعلق بعدم العدالة، نحن نحتاج إلى بنوك للتنمية جديدة تكون قائمة على التعددية القطبية بالإضافة الى حاجتنا إلى خلق نظم جديدة للمدفوعات.

بينما قال الاستاذ الدكتور/ محمد عاشور أستاذ العلوم السياسية في كلية الدراسات الافريقية العليا بجامعة القاهرة بأن من يتحكم في تيار التدفق النقدي داخل بلداننا الأفريقية هو من يتمكن في مسارات التنمية داخل هذه المنطقة، كما تحدث أن المشكة التي تعاني منها الدول الأفريقية حاليا تعود إلى ثلاث لعنات تعيشها الدول الافريقية منذ الاستقلال وهي لعنة الحدود التي ورثتها الدول الافريقية وكان عليها أن تتصرف في حدود امكانات تلك الحدود والتي لم يكن في كثير من الاحيان لديها اقدرة على ان تجعل الانظمة الحاكمة قادرة على الوفاء بالوظائف السياسية والوظائف الاجتماعية والوظائف الاقتصادية للدولة الجديدة المستقلة فالحد الذي يفيد مستعمرة قد لايفي باحتياجات دولة مستقلة عليها أن توفر احتياجات شعبها وهذا ينقلنا إلى اللعنة الأخرى وهي لعنة الموارد فقرا واقتدارا فالدول الفقيرة في الموارد لم تستطع الوفاء بالتزاماتها ولم تستطع القيام بوظائف الدولة المعروفة والمعهودة تجاه شعبها (وظيفة الترغيب والترهيب) وهذا أوجد اللعنة الثالثة وهي لعنة المحسوبية والفساد ففي ظل ضعف الموارد وسوء إدارتها ستوزع الموارد على من هم أقرب للسلطة وبالتالي ستصبح السلطة هي الكعكة والجائزة لهذه الجماعة او تلك ومن هنا جاءت عملية الصراع على السلطة والتكالب عليها. بينما قال الاستاذ الدكتور/ جوناثان أريمو أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية من نيجيريا والخبير بتجمع الإيكواس أن افريقيا شريك اقتصادي مهم وقد وضعنا الكثير من السياسات للوحدة فيما بيننا كدول أفريقية وروسيا هي دولة مهمة فيما يتعلق بالنفوذ ولذلك علينا أن نوطد التعاون مع روسيا ولكن علينا قبل ذلك توحيد الصف والاتفاق على إصدار عملة موحدة وهذا أمر مهم. فنحن جميعا افريقيا ودول الايكواس نواجه مشاكل واحدة أهمها مشكلة الدين العام ومشكلة التضخم بالاضافة إلى التبعية النقدية في دول وسط وغرب افريقيا ولن يحدث تقدم وتنمية حقيقية بدون أن نتخلص من ارث السياسات التي أوجدها المستعمر السابق وهذا ما نحاول أن يفعله تجمع الايكواس حاليا. كما أن مشكلة الاستيعاب والدمج التي قام بها المستعمر لخلق الولاءات لدى الافارقة للمستعمر القديم تؤثر بشكل كبير ايضا على الاقتصادات الخاصة ببلادنا ونحن بحاجة لتغييرها وبالتالي نحن نحتاج أن نعمل معا كدول أفريقية.
لابد أن نتصرف بحرية كدول مستقلة لها الحق في التعامل والتعاون مع الدول خارج القارة بحرية وفقا لما يقره ميثاق الأمم المتحدة من حقوق، فهذا التعاون مع روسيا قد يتيح لنا تحقيق الأهداف التنموية إذا قمنا بترتيب أوراقنا في اطار من التعاون بيننا في البداية كدول افريقية فروسيا لديها الكثير من الخبرات في مجالات مختلفة.

تناولت الجلسة الأولى مناقشة التبعية النقدية لدول الساحل من خلال الورقة البحثية للاستاذ/ محمد الطماوي عضو مجلس إدارة مركز المعلومات والاستشارات الأفريقية بجامعة القاهرة ، قدم الباحث تحليلا لأثر عملة الفرنك سيفا (CFA) على اقتصادات دول الساحل والتنمية بها وكيف انها تعد عائق اساسي للاستثمار وتعطي ميزة تنافسية لمنتجات الدول الأخرى على حساب المنتجات المحلية في أسواق دول الساحل وخارجها. كما ناقشت الجلسة ايضا محور آخر وهو أثر السياسة الاستعمارية على الهيكل الإداري الحكومي الحالي في دول الساحل نموذج النيجر وبوركينا فاسو. حيث وضح كلا من السيد/ سياكا كوليبالي (Siaka Coulibaly) محلل سياسي من بوركينا فاسو أن دول الساحل خضعت لعدة أنواع التبعية بسبب الاستعمار الفرنسي منها التبعية الاقتصادية والعسكرية ونحن الآن في الاتحاد الكونفدرالي الذي تم تأسيسه بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو نسعى من أجل إنهاء هذه التبعية وحل مشاكلنا المتجذرة منذ عهد الاستعمار لأنها تؤثر على الحوكمة في بلادنا حتى وقتنا الحالي، حيث مازالت السيطرة والنفوذ الفرنسي في دولنا مستمر الفرق أنه بعد الاستقلال تم استبدال الاسخاص الفرنسيين بآخرين موالين لهم من داخل دولنا لضمان استمرار احكام السيطرة على الشعوب حتى تظل مواردنا في خدمتهم وذلك من خلال النخبة التي صنعها المستعمر قبل الاستقلال وجعلها في الصدارة، هذه النخبة تحالفت مع جماعات مسلحة غير رسمية وشبكات مصالح مع الخارج هدفها الاساسي وقف اي تنمية أو تقدم نحاول أن نحدثه في دولنا. نحن الآن نسعى إلى تنويع شبكة علاقاتنا الدولية في ظل الإدارة الجديدة للبلاد للخروج من هذه الهيمنة فقد سعينا إلى عقد شراكات استراتيجية مع روسيا والهند من أجل البحث عن شركاء حقيقين يمكنهم مساعدة بلادنا في خطتها للتنمية والنمو الاقتصادي . بينما أكد السيد/ أبو بكر الحاج مهمن رئيس جالية النيجر أن اتباع السياسة المركزية في الأجهزة الإدارية الحكومية وعدم توزيع السلطات والمهام بالاضافة إلى التفرقة والتمييز بين أبناء الوطن الواحد في التعليم والتعيينات في الجهاز الحكومي للدولة كان ومازال سبب رئيس في عدم قدرة دول الساحل ومنها النيجر على رفع كفاءة الجهاز الإداري للدولة وايضا عدم قدرة الحكومات على الوفاء بإلتزاماتها تجاه مواطنيها خاصة في جانب التعيينات الحكومية والخدمات المقدمة للمواطنيين مما أوجد فجوة كبيرة وأزمة ثقة بين حكومات تلك الدول ومواطنيها بل أصبحت ممارسة السياسة والانضمام إلى الاحزاب سبيل للكسب المالي السريع وزيادة النفوذ من خلال السلطة ولذلك ينبغي التفكير مرة أخرى في طبيعة ممارسة الحياة السياسية في النيجر هل هي حقا من أجل المواطن أم من أجل تحقيق المصالح الشخصية.

بينما تناولت الجلسة الثانية أثر السياسات الاستعمارية على الحكم والإدارة في تشاد من خلال كلمة السيد/ اسماعيل طاهر الباحث في الشئون الافريقية بجامعة نجامينا والذي أكد أن أغلب النزاعات والصراعات التي تحدث في منطقة الساحل ليست صراعات إثنية فقط كما يصورها الباحثين الغربيين ولكنها صراع على السلطة بين الجماعات المكونة للمجتمع بهدف الفوز بمكاسب أكبر في الحياة السياسية ومميزات تجعل سلطتهم أقوى في الاساس هي صراع على السلطة والحكم. كما تحدث الدكتور/ أحمد يعقوب دابيو خبير فض النزاعات ورئيس مركز الدراسات للتنمية والوقاية من التطرف في تشاد عن أثر السياسات الاستعمارية على المؤسسات الادارية والتعليمية وعلاقتها بنمو التطرف في بحيرة تشاد وقال أن عدد الضحايا اللذين يسقطون الآن بسبب مواجهة الإرهاب أقل بكثير من عدد الضحايا اللذين سقطوا أثناء تواجد القوات الفرنسية في منطقة الساحل في عهد الاستعمار وبالتالي علينا المضي قدما في مواجهة التطرف ولكن ليس فقط من خلال السلاح بل بالمواجهة الفكرية ايضا وتصحيح المفاهيم والأهم هو استيعاب العائدين من الحركات المتطرفة وإعادة إدماجهم في المجتمع لان هذه مشكلة من أخطر المشاكل التي توجد حاليا في دولنا. أخيرا تحدث الباحث/ عمر أحمد البستنجي من الأردن كاتب ومحلل اقتصادي وباحث دكتوراه اقتصاد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة عن الدور الروسي المأمول في تنمية دول الساحل في ظل المكاسب المتبادلة والتحديات الاقتصادية وعرض تحليل شامل للفرص الاستثمارية الممكنة في كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر وموريتانيا وتشاد وفقا للقطاعات المختلفة وأولويات هذه الفرص بما يتوافق وحاجة كل دولة من دول الساحل.

أختتمت الندوة بعدد من التوصيات الهامة لمعالجة المشاكل المتعلقة بالتبعية النقدية والتأثير السلبي للسياسات الاستعمارية على الجهاز الحكومي للدولة في منطقة الساحل. علما بأنه سيتم نشر تقرير من قبل منظمي الندوة يشمل كافة الاوراق والابحاث التي تمت مناقشتها خلال الندوة.

يذكر أن هذه الندوة تأتي في إطار تنفيذ بروتوكول التعاون الذي تم بين المركز الأفريقي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية (أكريس) والمعهد الدولي للنظم المتقدمة (IRIAS) في موسكو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى