نحنُ في أيامِ الجمالِ والكمال ، التي ينادي فيها المنادي : يا باغيَ الخيرِ أقبلْ ، ويا باغيَ الشرِّ أقْصرْ .
إنها أيامُ رمضان ، شهرِ الرحمة والمغفرة والعتق من النار ، شهرِ ( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) الشهرِ الذى يتجلى اللهُ تعالى فيه على عبادِه بالرحمات والنفحات والفيوضات ، فيعفو عن كثير .
شهرُ تصفو فيه النفس ، وتطمئنُ فيه الروح ، ويستشعرُ فيه الإنسانُ لذةَ القُربِ إلي الله ، مناجياً داعياً متضرعاً .
الصلاةُ فيه ، لها مذاقُها ، والقرآنُ الكريمُ فيه ، له حلاوةٌ أُخري ، وعُذوبةٌ تختلف .
يقيناً هو شهرٌ الأسرار ، التي مازلنا نعجزُ عن فكِها ، كلما اقتربتَ من هذا الشهر العظيم ، ازددتَ حُباً وشوقاً وتعلقاً ، فمن ذاقَ عَرَفَ ، ومن عَرَفَ اغترف .
إن من الكَياسةِ والفطنةِ ، ورجاحةِ العقلِ ، أن نُحسن ( استثمار ) أيام رمضان ولياليه ، فهي في النهاية ( أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ) وخيرُ استثمار ، هو ما يجمعُ بينَ( العبادة والمعاملة ) العبادةُ معروفة ، ويحرصُ الناسُ عليها ، أما المعاملةُ ، فلنا معها وقفاتٌ : حُسنُ الخلق ، الرحمةُ والتواضعُ ولينُ الجانب ، غضُ البصرِ وكفُ الأذي ، الكرمُ والبذلُ والعطاء ، كلُها وغيرُها معاملات ، وبخاصةٍ هذا الأخيرَ ( العطاء ) فمن الجميلِ أن نعرفَ معنى العطاء ، والأجملُ أن نُعطيَ حقاً ، ونُعطيَ سريعاً ، فالذي يُعطي (بسرعة) يُعطي (مرتين) و صنائعُ المعروفِ ، تقي مصارعَ السوءِ ، حتي لو كانت بسيطةً ، فالنيةُ ذاتُها ، خيرٌ من العملِ نفسِه .
إن العطاءَ هو التجارةُ الرابحةُ مع الله ، التجارةُ الأكثرُ صدقاً ، والأبقى أثراً ..
( و التجارةُ ) مع الله ، واسعِ العطايا ، هي أعظمُ ( استثمار ) يقومُ به الإنسانُ ، وأمنيةُ الراحلين جميعاً ، أن يعودوا إلي الدنيا ، لا للصلاةِ والصيام ، وإنما ( للصدقة ) رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ ..