في عيد القوات البحرية.. تعرف كيف تم تدمير المدمرة إيلات الإسرائيلية

كتب- محمد عيسى:
شهدت الفترة التي تلت نكسة يونيو 1967 وحتى أوائل أغسطس 1970، أنشطة قتالية بحرية بين الجانبين وكان كلاهما يهدف إلى أحداث أكبر خسائر في القوات البحرية للطرف الآخر بغرض إحراز التفوق وتحقيق السيطرة البحرية ويعرف هذا النوع من القتال البحري في فنون الحرب البحرية بالأنشطة القتالية الروتينية للقوات البحرية.
وبعد ذلك حدثت عملية المدمرة إيلات، وهي عملية إغراق المدمره البحرية الإسرائيلية “إيلات” من طراز HMS Zealous\ R39 بعد قيام القوات البحرية المصرية باغراقها في البحر الأبيض المتوسط امام مدينة بورسعيد في 21 أكتوبر 1967 بعد أربع أشهر فقط من النكسة، وهي عملية مختلفة تمامًا عن الثلاث عمليات الهجوم علي ميناء إيلات الإسرائيلي والتي تم فيها إغراق 4 سفن نواقل وتفجير الرصيف الحربي للميناء.
وكانت إسرائيل قامت بشراء المدمرة من انجلترا واسمها Zealous في يونيو عام 1956 مع مدمرة أخرى تسمي “يافو”، اشتركت المدمرة ايلات في العدوان الثلاثي 1956 و في حرب 1967.
وفي الذكرى الـ50 للعملية الأهم في تاريخ “البحرية المصرية” تم إغراق المدمرة البحرية إيلات قبالة السواحل المصرية، وهي عملية يتذكرها من لا يزالون على قيد الحياة من منفذيها، وأبناء من رحلوا منهم.
وفي 21 أكتوبر عام 1967 استغلت إسرائيل قوة الردع المتيسرة لديها والمتمثلة في تفوقها ومدفعيتها الرابضة على الضفة الشرقية للقناة، مهددة مدنها في انتهاك المياة الإقليمية المصرية في البحرين المتوسط والأحمر، واضعة في اعتبارها عدم قدرة القوات المصرية على منعها من ذلك.
في الساعة التاسعة والنصف مساء 11 يوليو 1967 رصد رادار (قاعدة بورسعيد البحرية) هدف متحرك على بعد 18 ميل بحري من (نجمة بورسعيد)، فأصدر قائد القاعدة العقيد أركان حرب سميح إبراهيم، أمر برفع درجة استعداد سرب لنشات الطوربيد بقيادة النقيب عوني عازر.
وفي تمام العاشرة والنصف مساءً اجتمع قائد القاعدة مع النقيب عوني عازر بحضور قائد مجموعة لنشات الطوربيد في مركز عمليات قاعدة بورسعيد، وأثناء الاجتماع أوضح قائد القاعدة للنقيب عوني تفاصيل المهمة الروتينية المكلف بها وهي الانطلاق بسربه واستطلاع الهدف المشتبه به وفي حالة تأكده من اختراق الهدف للمياة الإقليمية المصرية يقوم باستدراجه إلى داخل مدى مدفعية المدمرة السويس الراسية في ميناء بورسعيد، مع العمل على تفادي الاشتباك مع الهدف المُعادي لإحتمال وجود الهدف خارج حدود المياة الإقليمية، إلا في حالة تعرض سربه للإعتداء المباشر.
وانطلق السرب المكون من لنشين طوربيد الأول بقيادة النقيب عوني عازر ومساعده ملازم رجائى حتاتة، والثاني بقيادة النقيب مدرح شمس ومساعده ملازم أول صلاح غيث، وفي مسار الانطلاق حدث خلل في جهازي الرادار للنشين مما أدى إلى عدم تمكن سرب اللنشات من رصد الهدف.
وفي الثانية عشر والنصف صباحًا رأى قائد السرب النقيب عوني عازر أن الهدف المعادي يقترب منه بسرعة ” تبين بعد ذلك انها المدمرة الإسرائيلية ايلات، وظهرت أهداف معادية تبين بعد ذلك انهما لنشي طوربيد إسرائيلية طراز (ملان)، وقامت بضرب السرب المصري في تحدي سافر للقوانين الدولية، فأبلغ قائد السرب قيادة القاعدة انه قرر الاشتباك مع الأهداف المُعادية لحقه في الدفاع عن النفس، وأبلغ قيادة القاعدة باشتعال الحريق في اللنش رقم 2، وبذلك تم تحييده لعدم قدرته على مشاركة لنش القيادة في المعركة.
وأبلغ لنش القيادة القاعدة بأنه أصيب إصابة بالغة تمنعه من الاشتباك، وقامت المدمرة الإسرائيلية بإطلاق طلقات إضاءة لمنع لنش النقيب عوني من الخروج من دائرة الاشتباك، في هذه الإثناء قرر النقيب عوني المناورة بالدخول بلنش القيادة وسط تشكيل القطع البحرية المعادية حتى يتجنب الإصابة، إلا أن قائد المدمرة الإسرائيلية ادرك خطته وقام بمناورة مضادة وهي الابتعاد عن لنش القيادة.
كانت مدفعية المدمرة ايلات عيار 40 ملم أكثر تأثيراً من مدفعية اللنشات المصرية عيار 25 ملم، وانهالت طلقات المدافع على لنش القيادة وقتل 5 من طاقم اللنش، فأمر النقيب عوني مساعده الملازم أول رجائي حتاته بإخلاء اللنش من الأفراد الذين مازالوا على قيد الحياة، وقرر القيام بعملية انتحارية وهي التحرك بأقصى سرعة صوب المدمرة الإسرائيلية للاصطدام بها في المنتصف، أدرك قائد المدمرة خطة النقيب عوني وأمر بتركيز طلقات مدافع المدمرة نحو لنش القيادة وبالفعل تم تفجير اللنش على مسافة 30 مترًا من المدمرة وأستشهد النقيب عوني عازر ومساعده ملازم رجائى حتاته ، كما أستشهد طاقم اللنش بالكامل، بينما أصيب ثمانية من طاقم المدمرة “إيلات” من جراء تبادل النيران مع أطقم الدورية المصرية البحرية، إضافةٍ إلى تدمير موتور رادار المدمرة وأصابات مباشرة للجانب الأيمن للسفينة .
وهجم اللنش الأول على جانب المدمرة مطلقاً صاروخه الأول فأصاب المدمرة إصابة مباشرة وأخذت تميل على جانبها فلاحقها بالصاروخ الثاني الذي أكمل إغراقها على مسافة تبعد 11 ميلاً بحرياً شمال شرقي بورسعيد.
وغرقت المدمرة التي شكلت نصف قوة المدمرات في البحرية الإسرائيلية وعليها طاقمها الذي يتكون من نحو 100 فرد إضافة إلى دفعة من طلبة الكلية البحرية كانت على ظهرها في رحلة تدريبية.
واستطاعت البحرية المصرية أن تطبق أسس فنون الحرب البحرية خلال فترة الاستنزاف تطبيقا سليما حقق الهدف من استنزاف البحرية الإسرائيلية.
وتم تسجيل رقم قياسي لأن هذه هي المرة الأولى في التاريخ الذي تدمر فيه مدمرة حربية كبيرة بلنش صواري، وكان إطلاق لانشات الصواريخ المصرية بالصواريخ السطح سطح أول إطلاق فعلي للصورايخ (السطح سطح) في العمليات البحرية.
أدى ذلك الي تغير موازين الحرب البحرية في العالم وتغير التكتيكات البحرية والحسابات عن الماضي وظهور الحرب البحرية الحديثة بشكلها الحالي وكانت للبحرية المصرية الرّيادة في استخدام الصواريخ البحرية واستحداث شكل الحرب البحرية الحديثة وكان هذا الاستخدام من قبل البحرية المصرية قبل ان تستخدمه روسيا الدولو المصنعة لهذا النوع من الصواريخ البحريه
كان تدمير “أيلات” كارثة ليس فقط على البحرية الإسرائيلية فحسب بل على الشعب الإسرائيلي بأكمله، وعلى الجانب الآخر فان البحرية المصرية والشعب المصري بأكمله الذي ذاق مرارة الهزيمة في 5 جوان من نفس العام ارتفعت معنوياته كثيرا.
وردت إسرائيل على هذه الحادثة يوم 24 أكتوبر بقصف معامل تكرير البترول في الزيتية بالسويس بنيران المدفعية كما حاولت ضرب السفن الحربية المصرية شمالي خليج السويس.
عجّل حادث إغراق المدمرة ايلات بانتهاء إسرائيل من بناء 12 زورق صواريخ من نوع (سعر) كانت قد تعاقدت على بنائها في ميناء شربورج بفرنسا.
وكان إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات بواسطة 4 صواريخ بحريه سطح / سطح، هي الأولى من نوعها في تاريخ الحروب البحرية وبداية مرحلة جديدة من مراحل تطوير الأسلحة البحرية و استرتيجيات القتال البحري في العالم فقد تم في هذه العملية تدمير مدمرة حربية كبيرة بلنش صواريخ للمرة الأولى في التاريخ .
وبعد نجاح المهمة صدر قرار جمهورى بمنح كل الضباط والجنود الذين شاركوا في العملية أوسمه وأنواط وأصبح غرق المدمره ايلات في 21 أكتوبر 1967م عيد للقوات البحرية المصرية، وأشادت الدوائر العسكرية بالشجاعة النادرة لقادة اللنشات المصرية وتم تسجيل هذه المعركة ضمن أشهر المعارك البحرية في التاريخ.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى