دخل الطلاب الناجحون فى الثانوية العامة معركة التقدم إلى الجامعات، كلهم يأملون فى أن يجدوا المكان المناسب لطموحاتهم واهتماماتهم، ويحققوا الأحلام التى طالما راودتهم خلال محنة المرحلة الثانوية، والتى عانوا منها كثيرًا. حيث انتقل مركز ثقل العملية التعليمية من المدارس إلى مراكز الدروس الخصوصية المعروفة باسم «السناتر»، التى أنهكت الأسر بتكاليف مادية كبيرة، بالإضافة إلى التنقلات بين مركز وآخر، وشراء الملخصات وأوراق الشرح التى يبذل كل مركز جهدًا كبيرًا فى إعدادها، مستعينًا بمعلمين أصبحت لهم أسعار تحددها الشهرة والسمعة المرتبطة بمهاراتهم.
لكن الطلاب وجدوا أنهم أمام عوائق جديدة، فقد ظهرت بورصة للجامعات والكليات تتضاءل أمامها بورصة مراكز الدروس الخصوصية، فالأَسعار مبالغ فيها وفاقت مصروفات جامعات خارج مصر، ولا يوجد ضابط للأسعار، ولا معرفة كافية بمستوى وكفاءة أى من الجامعات والكليات، بعد التوسع الكبير فى أعداد الجامعات الخاصة وفروع الجامعات الدولية، أما الجامعات الحكومية التابعة لوزارة التعليم العالى فقد انطلقت مهرولة للتوسع فى إنشاء البرامج الخاصة بمصروفات تراوحت بين 50 ألف جنيه إلى 150 ألف جنيه سنويًا، وهى بكل تأكيد مبالغ لا تطيقها الأسر المتوسطة الدخل أن تتحملها. فأصبحت البرامج الخاصة بمصروفات تنافس داخل نفس الكلية الواحدة. وقديمًا قامت الجامعات الحكومية بتقديم برامج دراسية باللغتين الإنجليزية والفرنسية بكليات التجارة والحقوق وبعدها الإعلام والعلوم السياسية، ونجحت بشكل مبهر لأنها طورت خدمة يحتاجها سوق العمل وبأسعار مقبولة، بالإضافة إلى أنها خدمت طلاب مدارس اللغات، وكانت الكليات تطور برامجها المجانية من هذه المصروفات القليلة. لكن مع التوسع فى البرامج الخاصة، يجب أن تسعى الجامعات الحكومية لإضافة تخصصات جديدة وتطور من أدائها، وتضيف وتجدد مناهجها الدراسية وفق احتياجات السوق، حتى لا يكون الهدف الأساسى هو التحول نحو تحويل الجامعات والكليات إلى مؤسسات تحقق الربح، بدلاً من كونها تقدم خدمة تنموية عبر التعليم المجانى أو المدعوم من الدولة.
أما فى الجامعات الخاصة والدولية فالأمر أكثر صعوبة، والمبالغ المطلوبة باهظة. لقد لاحظت أن جميع الجامعات الخاصة تفرض رسومًا لتقديم طلب الالتحاق، سواء كان ذلك إلكترونيًا أو يدويًا، ولو كان المبلغ معقول لكان مناسبًا، بدلاً من أن يتراوح بين ألفى جنيه وحتى عشرة آلاف جنيه، هذه المبالغ التى يتحملها الطالب لا تُحتسب ضمن المصروفات الدراسية. على سبيل المثال، الأكاديمية العربية للنقل البحرى تطلب من كل طالب متقدم للالتحاق بها مبلغ 200 دولار أمريكى أو ما يعادلها، غير قابل للاسترداد، وهذا يعنى أن هذا المبلغ، الذى يعادل نحو عشرة آلاف جنيه مصري، ليس سوى رسوم تقديم للالتحاق. وفى حالة رفض القبول، لا يتم استرداد هذا المبلغ، مما يعنى أن الأكاديمية أو الجامعات الخاصة الأخرى قد تتلقى آلاف الطلبات، بينما يكون عدد المقبولين محدودًا للغاية. ويمكن لكل جامعة أن تحصل على ملايين من هذه الرسوم، وهى مبالغ يتكبدها المتقدمون دون أى فائدة، مقابل ملء استمارة لا تساوى جنيهًا واحدًا.
إننا نحتاج إلى تحرك عاجل لإنقاذ وتصويب التعليم الجامعي، ووضع سياسات تتماشى مع أهداف الدولة فى النهوض بالتعليم وتيسيره أمام شباب مصر، الذين سيقع على عاتقهم بناء مصر المستقبل وتطوير جمهوريتنا الجديدة.