شكري المثلوثي يكتب.. نحو تأسيس وزارة السكن والعمران والمدينة المستدامة

يعيش في المدن التونسية اليوم (2020) نحو 70% من مجموع السكان أي قرابة 8.5 مليون نسمة فيما كانت هذه النسبة سنة 1956 تقدر ب32% ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه بحلول عام 2050 و سيزداد سكان المدن ليلامس 85%، بحيث سيعيش 8.5 من بين كل 10 مواطنين في بلاد تونس في المدن.

وفي ظل مساهمة المدينة بأكثر من 80% من إجمالي الناتج الوطني، يمكن للتوسع العمراني أن يساهم في تحقيق النمو المستدام إذا ما تم التخطيط له بشكل جيد، وذلك برفع الإنتاجية و توفير الفرص للابتكار والافكار الجديدة الا أن نسق توسع المدن في بلاد تونس بشكل غير منظم يشكل تحديا كبيرا، و اهم التحديات هو تحقيق التوازن بين العرض و الطلب بتحقيق عرض عمراني يتماشى مع الطلب المتسارع على السكن الجيد بكلفة مقبولة، و تجهيز أنظمة نقل ومواصلات متكاملة اضافة الى تجهيزات و بنية تحتية عصرية و وظائف عمرانية خاصة لما يزيد عن مليوني فقير في حضر و الريف جلهم يعيشون في احياء عشوائية لضمان القرب من الفرص المتاحة…

وحينما يتم بناء مدينة، يمكن لمكوناتها المادية وأشكال استعمال الأرض أن يتجمد لسنوات عديدة بل لعقود عدة، مما يساهم في توسع غير منظم و غير مستدام ويفوق التوسع في استعمال العقارات الحضرية النمو السكاني بنسبة تقارب النصف، و قد يساهم هذا في اضافة اكثر من نصف المساحات العمرانية الموجودة حاليا في المناطق المدن في العقود الثلاثة القادمة و ينتج عن هذا الزحف ضغطا حضريا و عقاريا و ضغطا على الموارد الطبيعية، ويؤدي إلى نتائج سلبية لا يمكن حصرها، فالمدن اليوم تُساهم بنسبة 2/3 من استهلاك الطاقة، وأكثر من 2/3% من انبعاثات غازات الدفيئة.

وتؤدي المدن دوراً كبيرا و مهما في مقاومة تاثيرات التغيرات المناخية، باعتبار ان ازدياد نموها يساهم في تعرضها لمخاطر المناخ والكوارث الطبيعية فقرابة ¾ شخص من سكان المدن يعيشون في المناطق الساحلية، وهو أمر يزيد من خطر تعرضهم لارتفاع منسوب مياه البحر و لمخاطر الفيضانات الساحلية و يتم قرابة 90% من التوسع الحضري قرب المناطق المعرضة لمخاطر طبيعية، وفي تجمعات سكانية عشوائية وغير مخطط لها.

و من جهة اخرى تعتبر المدن اليوم في الخط الأمامي لمكافحة الأوبئة اذ تخضع المدن في أنحاء البلاد لاصعب اختبار مع تفشِّي جائحة كوفيد 19 فالمدن تُؤثِّر ليس فقط على الصحة العامة بل على الاقتصاد والنسيج الاجتماعي عامة وكشفت جائحة الكوفيد بعد ما أنتجته من أزمات اقتصادية واجتماعية متزامنة عن مدى اهمية التخطيط العمراني وإدارة المدن، وتأثير ذلك على مدى قدرة كل مدينة أو عجزها عن أداء وظائفها لاسيما في أوقات الأزمات.

و ظل هذا و ذلك، لا بد من الاستعداد الجيد لتهيئة مدن قادرة على المنافسة والتفوق على الاقل على المستوى الاقليمي، ومنها جودة الحياة، وتنافسيتها، واستدامتها، لاسيما زمن الأزمة، مما يقتضي ان تُحسِن المدينة أداء وظائفها لضمان النفع مواطنيها.

إن تصور مدن شاملة للجميع تضمن الكفاءة والفعالية وقادرة على الصمود يتطلب تنسيقاً واسعاً للسياسات الحضرية وخيارات الاستثمار وللسلط الوطنية والمحلية دور جليل الخطر يحتم عليها أن تتحرك الآن كي تشكل مستقبل تنميتها، وتتيح فرصا للجميع مما يقتضي بعث مؤسسة وطنية تعمل طوال الوقت على ضمان الاندماج المجالي و الوظيفي و اختزال الوقت لضمان النجاعة المطلوبة و عليه يعتبر بعث وزارة للسكن والعمران والمدينة المستدامة امر لا بد منه و الفرصة سانحة اليوم لدمج وزارة الشؤون المحلية مع وزارة التجهيز و الإسكان لتاسيس الوزارة السكن والمرتقبة.

بقلم شكري المثلوثي الخبير في تخطيط المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى