كيف عزف”وحيد حامد” في “إحكي يا شهر زاد” نغمات مختلفة

كتبت: زبيدة عاطف

رحل عن عالمنا، منذ يومين، الكاتب والمؤلف وحيد حامد، تاركا خلفه إرثا فنيا حائلا دون أن يتوارى اسمه في طيات التاريخ، من أعمال أدبية قليلة العدد رنانة الأثر إلى أعمال سينمائية وتلفزيونية لفتت الأنظار إلى جوهرية رسائله رغم بساطة حروفها، ومن أهم تلك الأعمال التي طرقت أبوابا-كانت وقت صدورها مغلقة بالأقفال الحديدية- فيلم “إحكي يا شهرزاد”، وهو إخراج يسري نصر الله، وبرغم أن الفيلم صدر منذ اثنا عشر عاما إلا أنه يمثل مرجع وثيق سلط الضوء على قضايا المرأة “المقهورة” في هيئة قصص حياتية سلسة، قابلناها جميعا بشكلٍ أو بآخر، بل وغلب عليها طابعاً كوميدياً، ولكنها بالطبع كوميديا سوداء.

تنتقل بنا الكاميرا بين ثلاث حكايات لثلاث نساء مختلفات من طبقات إجتماعية متباينة وتفاصيل غير متشابهة، لا يجمع بينهن سوا أنهن خضعن لقهر نفسي أو جنسي أو إجتماعي، وعانين من إزدواجية المجتمع و طبقيته تجاههن،  بمرور أحداث الفيلم نفاجأ أن مقدمة البرنامج هبه يونس-وتلعب دورها “منى ذكي”-و التي أشرفت على إعداده والبحث عن صاحبات تلك الحكايات، أنها ضحية هي الأخرى بحكاية رابعة ما هي إلا حلقة  في سلسلة القهر الممارس ضد المرأة.

“بارت من كتر خطابها!..”

تخوض “أماني”، سوسن بدر، رحلة طويلة بنهاية أليمة تبحث عن شريك حياتها، برغم جمالها الملفت و انتمائها لأسرة “مستريحة” ماديا تتبنى قيم “البيت المصري المتحفظ”، لم تنجرف أماني خلف مغريات العروض المقدمة لها من خاطبيها وهي في سن “الزهو والشباب”، فهي تؤمن أن الزواج وسيلة وليست غاية، وسيلة تخلق هالة من الاستقرار والسكن تحيط ب مريديه وإن عصفت بهم تقلبات الحياة عصفا، فهي لم تكن ترفض الزواج أو “تغتر” بنفسها كما شاع عنها، بل ظلت تنتظر وتنتظر من يستوفي سمو نظرتها للحب، طال انتظارها حتى “فاتها” قطار الزواج كما يقولون، ولم تبالِ، ففي صميم إيمانها تكمن حقيقة واحدة ” يوما واحدا مع الشخص المناسب خيرا من عمرٍ مع الشخص الخطأ”، لم يعكر صفو ترهبنها عن “الحياة المزيفة” سوى ظهور عريس “أحمد فضل الله”، ويقوم بدوره حسين الإمام، في حياة سوسن بدر مقدما لها في مشهد شهير-يتناقله رواد السوشيال ميديا باستمرار- عرضا خلاصته أنه في مقابل زواجه منها ستقوم بفرش عش الزوجية بالكامل من حر مالها و التخلي عن سيارتها ومرتبها له و ارتداء الحجاب و ورعاية وخدمة أمه وهي شروط رفضتها أماني “سوسن بدر ” جملةً وتفصيلاً، ربما بدا المشهد به مبالغة درامية جعلته يصنف كمشهد كوميدي من الطراز الأول، مع ذلك فإنها مبالغة تخدم رسالة المشهد، فكل هذه الشروط لا تمثل سوى واقع مرير تمر به المرأة المصرية كل يوم، وتنزع منها حقوقها البديهية في أن تُعامل كإنسان حر رشيد وذلك بسلاح “سيف الحياء”، فهي في صراع دائم إما أن تجاري القطيع و تلتزم بالإطار المرسوم لها، أو تتمسك بمبادئها ضاربة بها عُرْضَ الحائط – بضمّ العين – متصديةً لإعصار النبذ المجتمعي، وهكذا تحولت رحلة “أماني” من رحلة صبر وإيمان أملا في الوصول للمحطة التي تنتظرها إلى رحلة ألم وحرمان دافعين بقطار حياتها خارج القضبان لتكون محطتها الأخيرة داخل جدران مصحة نفسية، يبدو حقا أن العاقل في مجتمع تفشت به “النفوس المريضة” يصبح هو المجنون.

من حكاية أماني إلى حكاية “صفاء” وأخواتها اللاتي تعرضن للاستغلال الجنسي من “سعيد الخفيف” عامل يعمل بالأجرة بالمحل الخاص بهن، فقط لأنهن كانوا يبحثون عن -ما ظنوه- سند وحماية، ثم ننتقل إلى حكاية الدكتورة “ناهد” و صاحب السلطة و المناصب صائد أموال النساء الثريات-أدهم الغريب- الذي يتهمهن في شرفهن بدعوى أنه “عقيم” فكيف يحملن منه.

وفي الدقائق الأخيرة من الفيلم يفتتح الكاتب “وحيد حامد” المشهد على لسان بطلته بجملة “أنا خدت علقة موت” لتتحول فجأة من ناقلة حكايات إلى ضحية أخرى من ضحايا القمع والقهر، وتنطلق الإشارة بنهاية الفيلم لتعلن أن هذه القضية أشبه بالإعصار يطول الجميع ولا يستثني أحد مهما سطع نجمك كمحارب، فهي متأصلة في جذور المجتمع المصري متفشية بداخله كالنار في الهشيم تأكل كل من يعترض طريقها، رحم الله كل من تصدى لظلم و سعى لمحو أمية القيم الإنسانية من عقولنا، رحم الله الكاتب “وحيد حامد”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى