هل يوجد حقا ما يدعى بالنرجسية الايجابية؟

كتبت: زبيدة عاطف

تقول الأسطورة الإغريقية أن “نركسوس” كان أية في الجمال لدرجة عشقه لانعكاس صورته في الماء حتى الموت، رسمت لنا هذه الأسطورة سُلّم النرجسية الذي يتسلقه صاحبه منذ نعومة أظافره وصولا إلى أعلى درجات سلم الاضطرابات النفسية، يبلغ الطفل( أي طفل) عامين من عمره ثم لا ينّفك أن تصيبه حُمى “الأنا” وحمى “اللا” وهي أمور جيدة لا تخرج عن الطور الطبيعي لنمو النفس البشرية، ويكون للتعقيدات الأسرية فيما بعد نصيب الأسد في تحديد أي درجة من درجات السُلّم تصبو نفس هذا الإنسان أن تقف عليها ما تبقى من حياتها، بِناءا على ما تقدم تنزع بعض الدراسات وبعض العلماء خاصة “فرويد” إلى تصنيف النرجسية إلى نرجسية سلبية ونرجسية إيجابية، فهل لهذا التصنيف حقا نصيبٌ من  الحقيقة أم أن النفس ما أن تدنو من اضطراب الهوية النرجسية يصعُب استنباط أي جوانب إيجابية منها؟

“إن مقدار فراغ هكذا حياة لأمر يفوق الخيال” الكسندر لوين واصفا الوجود النرجسي..

جميعنا بشكل أو بآخر نمتلك بعض صفات النرجسية ولكن ما نحن بصدد الحديث عنه هنا ينتقل من الفخر إلى التفاخر ومن تقدير الذات إلى تعظيمها، بحروفٍ أخرى هو انتقال من متعة تقييم الذات إلى خواء اضطرابات الهوّية، تتنوع سمات الشخصية النرجسية من شخص إلى أخر تبعا لمدى توغله في وحلها، ومع ذلك يمكن حصرها في بضع صفات أساسية وجودها بمثابة جرس إنذار لك أنك تتعامل مع نفوس خرجت من عباءة “السواء” بل ومزقتها ثم سخرت منها، نفوسٌ أصابها جنون العظمة حتى تحوّل إلى محتلٍ لأراضيها يقتل كل تعاطف قد يتملكها تجاه الأخرين سواء كانوا بشر أم حيوانات، نفوسٌ عالمها لا يدور حول الشمس بل يدور حولها هي، تُبقيك دائما داخل محور عالمها إما بكسب التعاطف والشفقة أو بالثورة والغضب (فيما يُعرف بالغضب النرجسي)، أما عن مدى نجاح هذه الشخصيات في حياتها فيزداد بزيادة نسبة نرجسيتها، ليس لأنهم يسعون لتحقيق الذات بل لتحقيق مصالح شخصية بأكثر الطرق وصولية متسلقين في سُلم النجاح هذا كل ما قد تطالهم أيديهم من مهارات و قدرات و مشاعر الأخرين، فهم لا يعترفون أن الآخرين منفصلون عنهم بحدود خاصة بهم بل هم مجرد امتدادا آخر لهم.

النرجسية الصحية “هي التزامن بين الأنا والأنا العليا والتوازن بين الدوافع الشهوانية والعدوانية” فرويد

تميل بعض الدراسات إلى تصنيف النرجسية إلى النوع المتعارف عليه ونوع أخر يُعرف بالنرجسية الصحية أو الإيجابية، وتتمثل في الصدق مع الذات وتحقيق التناسق المطلوب بين الإشباع من الآخرين و دفع الذات دون الحاجة إلى رضاهم طوال الوقت، وهنا قد تتساءل هل يمكن اعتبار النرجسية الصحية تصنيف أخر منها حتى وإن لم تستوف معيارها الأساسي وهو فقدان التعاطف المصحوب بجنون العظمة؟ وإذا كنت ممن يميلون لمنطقة هذا التصنيف، فكيف نرى الخيط الرفيع الفاصل بين تقدير الذات و الوقوع في غرامها ؟

بعد مئات الأبحاث والاختبارات توصل العلماء إلى سؤال واحد يكشف لك مضطربي الهوية النرجسية، ألا وهو “إلى أي مدى تقدّر درجة نرجسيتك؟” وهذا السؤال نابع من كون صاحب هذا الاضطراب لا يعتقد بوجود علة نفسية به، فهو يرى  تفرده وتميزه يستحقان التعظيم من نفسه ومن كل من حوله، لهذا السبب ولأسباب أخرى كثيرة يتوِّجها الأذى ينبغي عليك تفادي هذه الشخصيات تماما على مستوى التعاملات الشخصية، وإن لم تسعفك الحياة على القطيعة التامة، فتذكرّ دائما أن تختار حروبك مع من تستحق، وأن الهروب من بعض المعارك أشرف من خوضها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى