نصر أكتوبر تغير معايير قياس قوة الدول

كتب: حسام عيسى باحث فى العلوم السياسية و العلاقات الدولية

لقد غيرت حرب أكتوبر موازين القوى في الإقليم العربي، وكان لها تأثير كبير على النسق العالمي، ولكي نظهر ما حققته حرب أكتوبر من تغيير لابد أن نلقي نظرة تاريخية على بداية كلًا من مصر و إسرائيل.

لقد أوجدت بريطانيا الكيان الصهيوني مع وعد بلفور1917؛ لتحقيق سيطرة على طريق المواصلات بين بريطانيا إلى الهند عبر قناة السويس والبحر الأحمر على أن تكون اسرائيل دولة تفصل بين الدول العربية الإفريقية والآسيوية، وتكون نقطة صراع بداخل الإقليم العربي، فقد كان قيام الدولة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية تساندها بريطانيا فى حرب اسرائيل ضد العرب عام ١٩٤٨ والتي أعلنت بها قيام الدولة الإسرائيلية.

انتقلت زعامة الدول الغربية إلى أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية خاصةً عقب العدوان الثلاثي على مصر متمثلًا في إنجلترا وفرنسا وإسرائيل، وأصبحت الأخيرة الذراع العسكري لأمريكا في المنطقة تدعمها عسكريًا بأحدث المعدات والتكنولوجيا العسكرية، وكان برهان ذلك عندما أعُلنت مصر حرب أكتوبر73 ، أعَلنت أمريكا الاستعداد النووي ( حالة الدفاع 3 )، كما أعلن الرئيس الراحل محمد أنور السادات بعد عشرة أيام من حرب أكتوبر أن ” مصر تحارب أمريكا “، وقد أقامت الولايات المتحدة جسرًا جويًا يمد إسرائيل بالأسلحة المتطورة والحديثة.

هذا يظهر أن قوة إسرائيل مستمدة قوتها من اكبر دولة عسكرية فى العالم هى امريكا.

في المقابل مصر
قام الضباط الأحرار بزعامة جمال عبد الناصر بثورة 1952 ضد الاحتلال الإنجليزي وأسرة محمد رافضين الأوضاع التي تمر بها البلاد حيث كان92% من سكان مصر البالغ عددهم 20 مليون تحت خط الفقر، 95% لا يجيد القراءة والكتابة، 200 عائلة تملك 5 مليون فدان، و3 عائلات تملك المواصلات، و ١٢ عائلة تمتلك مصانع النسيج و السكر ، فلم يكن هناك اقتصاد دولة بل كان يوجد رجال رأسماليين.

مع تولي عبد الناصر الحكم خاض حروب 1956، 1967، والاستنزاف، وعقب هزيمة 67 استطاع الجيش المصري في خلال ست سنوات بناء جيش لا يقهر بعزيمة رجاله، ولكن بأسلحة عتيقة وقديمة من الاتحاد السوفيتى .

ومع فارق القوة العسكرية الإسرائيلية، حيث ذكر أكثر من معهد استراتيجي عسكري أن هناك فارق أكثر من عشرة مراكز تتفوق فيها إسرائيل عن مصر عسكريًا،كما اكدت أكاديمية ساندهيرست البريطانية ومعهد الدراسات الاستراتيجية iiss في تحليلاتها السياسية عن آثار حرب أكتوبر 73 على معايير قياس قوة الدول التي كانت تعتمد على ما أطلقه العالم ” راتزال ” في كتابه الجغرافيا السياسية 1897 حيث تتصدر القوة العسكرية ثم القوة الاقتصادية ثم القوة البشرية.

و لكن اكدت التحاليل العسكرية عن حرب اكتوبر من تلك المعاهد الاستراتيجية تؤكد على ضرورة الاهتمام بالجانب البشري مرتكزة على ذلك للعالم ” هوبز ” في كتابه القانون الطبيعي، و على ” جان جاك روسو ” في كتابه العقد الاجتماعي، وكلاهما يركز على أهمية القوة البشرية ودورها الهام في بناء الدول، ثم جاء ” ألكسندر وندت ” في كتابه النظرية الاجتماعية للسياسة الدولية عام 1999 و الذى أكد فيها أن الهُوية والثقافة والقوة البشرية هي القادرة على التصدي للتهديدات الخارجية والقدرة على التفاعل معها وتغييرها، مضيفًا أن معايير قوة الدولة تأتي أولًا بالقوة البشرية بهويتها وثقافتها قبل القوة العسكرية، و استند فى ذلك على حرب أكتوبر، ثم أكد عالم الاجتماع السياسي ” جاك بوبر ” أن حرية الدولة تتقدم على حرية الفرد فعندما تستعمر الدول يصبح مواطنيها عبيد عند المحتمل، وبذلك يفقد حريته الشخصية وحقوقه الإنسانية.

و هذا ما قدمة الجيش المصرى الذى قدم ارواحهم فداء للوطن ليبقى حرا دون الاستعمار و الاحتلال.

لقد برهن الجيش المصري والمجتمع المصري على هذه النظريات حيث أن قوة العزيمة تقهر التقدُم الاسلحة و التكنولحيا الحديثة .

ومن الدروس المستفادة لحرب أكتوبر 73.

أنه على المجتمع المصري التسلح بالعلم، العمل، الوعي، وتعزيز الهُوية المصرية في تجانس الفكروالتعامل، حيث لابد أن يدرك أن مصير الأمة المصرية في يد المجتمع المصري ودرجة وعيه، وإدراكه للصعاب والتحديات، فيجب عليه أن يتلاحم من قيادة شعبًا، رئيسًا، حكومةً، جيشًا، وشرطةً حتى تستطيع الدولة المصرية قهر التحديات الداخلية والخارجية.
تحيا مصر بشهدائها الابرار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى