“نحن على العهد لتحيا تونس”.. 19 عاما على رحيل الزعيم الحبيب بورقيبة

تقرير: سعاد محمد – محمد الأنصاري

“الفكرة لا تموت” .. “عندما يحدثونني عن تونس مابعد بورڤيبة أجيبهم … أظن أنني أسّست مشروعًا صلبًا سيصمد بعد رحيلي” .. “نحن على العهد لتحيا تونس” جمل لا تموت حتي اذا رحل قائلها لانها حفرت في القلوب كالحفر في الصخور كلمات العزة و الفخر التي يعشقها التونسيين .. 19 عاما لم ينس هذا الشعب رجلًا آمن به لم ينس رجلاً حطم ثوابت عصره و أيقن أن تونس قادرة دائما على الأفضل فتربع داخل القلب فهو الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة.

رغم الهزات والمؤامرات والأزمات صمدت تونس وسط عواصف ضربت المنطقة برمتها و الفضل يعود لاستثمر الزعيم “الحبيب بورڤيبة” في العقل التونسي الذي أنتج شعبًا واعيًا نجح أن يقي بلاده آلام الصدام و ويلات الشقاق.

رحل بورڤيبة ولكن فكره ومشروعه ورؤيته صمدوا و رسخوا في عقول وقلوب مئات الآلاف من التونسيين قرروا إكمال المسيرة و مواصلة البناء فهو محرر تونس ومحرر المرأة ومعمم التعليم والمصلح الكبير للمجتمع التونسي.

فاليوم أشرف رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في بروضة آل بورقيبة في المنستير بحضور الرؤساء الثلاثة وعدد من أعضاء الحكومة ومن المقاومين والمناضلين على موكب رسمي لإحياء الذكرى 19 لوفاة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة.

 وحث الرئيس السبسي اليوم على مواصلة الدولة كما الحكومات السابقة لرسالة ومشروع الحبيب بورقيبة قائلا “إلى الأمام يا أهل تونس لمواصلة العمل تحت راية الدولة مضيفا قوله ”إني أعتقد أن كل من يخرج عن راية الدولة فهو خاسر”.

لمحة عن حياة مؤسس الجمهورية التونسية

بورقيبة من مواليد 3 أوت 1903 في حي الطرابلسية بمدينة المنستير كان أصغر إخوته الثمانية، تلقـّى تعليمه الثـّانوي بالمعهد الصادقي ثمّ معهد كارنو بتونس، ليتوجه إلى باريس سنة 1924 بعد حصوله على الباكالوريا وانخرط في كلية الحقوق والعلوم السياسية وحصل على الإجازة في سنة 1927، وعاد إلى تونس ليشتغل بالمحاماة.

تزوج للمرة الأولى من الفرنسية ماتيلد وكانت تبلغ من العمر عندما تعرفت عليه 36 عاما، أرملة أحد الضباط الفرنسيين الذين ماتوا في الحرب العالمية الأولى، كانت تكبره بحوالي 12 سنة، وهي التي أنجبت له ابنه الوحيد الحبيب بورقيبة الابن، وتطلقا بعد 22 عاما من الزواج لكنه استمر على وفائه وصلته بها كما قام بتوسيمها في أواخر حياتها قبل وفاتها سنة 1976. تزوج للمرة الثانية من وسيلة بن عمار رسميا في 12 أفريل 1962.

انضم بورقيبة إلى الحزب الحر الدستوري سنة 1933 واستقال منه في نفس السنة ليؤسس في 2 مارس 1934 بقصر هلال الحزب الحر الدستوري الجديد رافقه محمود الماطري والطاهر صفر والبحري قيقة.

بعد سنين من النضال ضد المستعمر الفرنسي وسلسلة من الاعتقالات عاد بورقيبة إلى تونس ليؤلّف أول حكومة بعد الاستقلال.

في 13 أوت 1956، صدرت مجلة الأحوال الشخصية التي تعتبر من أهم أعمال الزعيم بورقيبة حيث أنها تضمنت أحكاما ثورية كمنع تعدد الزوجات وجعل الطلاق بأيدي المحاكم، ولا تزال هذه المجلة تحظى إلى اليوم بسمعة كبيرة.

في 25 جويلية 1957 تم إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية فخلع الملك محمد الأمين باي وتم اختيار الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية.

وتواصلت في العهد الجمهوري أعمال استكمال السيادة فتم جلاء آخر جندي فرنسي عن التراب التونسي في 15 أكتوبر 1963 وتم جلاء المعمرين عن الأراضي الزراعية، كما تم إقرار عديد الإجراءات لتحديث البلاد كإقرار مجانية التعليم وإجباريته وتوحيد القضاء.في 27 ديسمبر 1974 تم تنقيح الدستور وأسندت رئاسة الدولة مدى الحياة إلى الرئيس بورقيبة.

كان بورقيبة متحمسا لتخليص المجتمع التونسي من النظرة التقليدية الضيقة للمرأة والزواج وحريصا على رفع المستوى المعرفي والثقافي والاقتصادي للتونسيين، لم ينتظر بورقيبة كثيرا ليبدأ إصلاحاته، لذا إستثمر حالة الحماس والالتفاف الشعبي حوله في فترة ما بعد التحرر، فقد أصدر البرلمان التونسي بعد ثلاثة أشهر فقط من الاستقلال عن فرنسا.

وأصدر أيضاً قانون يسمح للمواطن بالتبني وأقر بورقيبة قانونا يسمح للمرأة بالإجهاض (وقد سبق في ذلك دولا مثل فرنسا) وذلك للتحكم في النمو الديمغرفي، ورفع سن زواج الذكور إلى عشرين سنة، والإناث إلى 16 سنة.

تحالف مع الغرب وكان من أوائل السياسيين العرب الذين رحبوا بالسياسة الأمريكية في المنطقة، ففي خطاب ألقاه في شهر مايو 1968م قال “إننا نعتبر أن نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية يشكل عنصر استقرار يحمي العالم من نوع من الأنظمة الاستبدادية. دون أن يدخل في نزاع مع الاتحاد السوفييتي، رفض رفضا قاطعا إقامة علاقات اقتصادية وعسكرية معه، معتبرا أن دخول خرطوشه واحدة من هذا المعسكر قادرة على أن تفتح الباب واسعا أمام الخبراء والأفكار “الهدامة” حسب تعبيره، بل أنه صرح أكثر من مرة في خطبه الرسمية بأن “المعسكر الاشتراكي لن يستمر طويلا في الحياة، وأن سقوطه أمر محتم.” وبنى علاقات جيدة مع الأنظمة الملكية والخليجية.

شهدت علاقاته مع عبدالناصر توترات مستمرة، حيث اختلف معه في الخطاب والأيديولوجيا ومواقف من قضايا جوهرية، مثل: الوحدة والقومية وفلسطين، ذات مرة قال “لو خيرت بين الجامعة العربية والحلف الأطلسي لاخترت هذا الأخير”. كما كان حذرًا من حزب البعث، وحال دون امتداداته التنظيمية داخل تونس، ثم تجدد صراعه مع القذافي، ورأى فيه شابًا “مُتَهوِّرًا” في السياسة، وكان يخشى أن تُطَوَّق تونس بتحالف ليبي – جزائري، لهذا وثق علاقاته مع فرنسا والولايات المتحدة.

وعندما تسربت مجموعة معارضة مسلحة ذات توجه عروبي ومدعومة من ليبيا، وسيطرت على مدينة قفصة في يناير 1980، استنجد بباريس وواشنطن الذين قدما له مساعدات عسكرية ولوجستية، مكَّنَت النظام التونسي من إنهاء التمرد بأقل التكاليف.

طيلة حكمه استعان بورقيبة بالوزراء الأول التالين: الباهي الأدغم، الهادي نويرة، محمد مزالي، رشيد صفر وأخيرا زين العابدين بن علي وأغلبهم من أصيلي جهة الساحل التونسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى