من عبثية كامو في «أسطورة سيزيف» إلى واقعية محفوظ في «ثرثرة فرق النيل» .. كيف تلاقى الكاتبين؟

كتبت – زبيدة عاطف

يظن البعض أن شتى ما يجمع بين الفيلسوف الفرنسي”ألبير كامو” و الأديب المصري “نجيب محفوظ” أن كلاهما شغوف بالأدب حتى حازا على نوبل للآداب، ربما اختلف أسلوبهما الأدبي حيث نزعت الحروب العالمية من “ألبير كامو” واقعية نظرته للحياة-أو ربما أكسبته واقعية ننكرها- حيث جسدت معظم رواياته مدى شمول نظرية “العبثية” في الصراع البشري الدائم مع الحياة، وتتجلى لنا تلك النظرة في “أسطورة سيزيف”، بينما نجد نجيب محفوظ متأثرا بالأدب الواقعي كثيرا حيث تمثل الحارة المصرية عالمه الذي يبني فيه تاريخ أبطاله و شواهد حكاياته، مع ذلك فقد ساقتنا رائعة محفوظ “ثرثرة فوق النيل” إلى التساؤل هل آمن ” أنيس زكي”، بطل الراوية، بمعنى لوجوده أم أن عبثية الأقدار، ولا نقصد بها هنا الرواية، جعلت أنيس يتبنى السخرية كسلاح منتصب في وجه الحياة.

تقول أسطورة “سيزيف”، والتي ظهر بها تأثر كامو الشديد بالأساطير الإغريقية، أن سيزيف بلغ من الحكمة والدهاء ما جعله يخادع إله الموت ليعود به إلى الحياة مرة أخرى، فغضبت عليه الآلهة كثيرا وأنزلت به عقاب أبدي وهو أن يقوم بدفع صخرة على سفح جبل حتى يصل إلى قمته، وكلما اقترب من النهاية تسقط منه الصخرة مرة أخرى ليعود ويدفعها، وهكذا مثّل كامو عبثية صراعه مع الحياة بذلك المثال شديد البساطة في ظاهره جوهري الأثر في باطنه، فهو يرى أن الإنسان خلق ليكد و يشقى فحسب، وأن القانون الوحيد الذي تخضع له الحياة هو أنه لا يوجد قانون، فهي لا تسير على وتيرة واحدة، و كونك تدفع الصخرة بأقصى ما أوتيت من قوة إلى قمة الجبل لا يعني بالضرورة وصولك لتلك القمة، فقط حين تقبل تلك الحقيقة، وحين تتمرد على سعيك لإيجاد هدف من إبحار سفينتك، حينها فقط ستصبح ربان تلك السفينة، ولن يحرك شراعها سوى رياح الحرية.

أما في “ثرثرة فوق النيل” فتقول “سمارة”، صحفية تؤمن بالجدية و أهمية كون الإنسان مسؤولا، أنها وجدت في أنيس زكي “نصف ميت، ونصف مجنون”، حيث لا يكاد يفيق من نشوة الدخان الذي يقضي معه ليلته و يثير له المتاعب في نهاره، “أنيس” كغيره من شلة الأُنس-التي تمرر لياليها بلا قيود أو مبادئ على سطح عوامته-عجزت بصيرتهم عن استيعاب ما يدور لهم و حولهم في الدنيا، لم يكونوا من الطبقة الكادحة و لا من طبقة صناع القرار، لم تتشابه تفاصيلهم ولم يعانوا في نزاع دائم مع الحياة من أجل الحصول على أساسيات الحياة، ومع ذلك فقد جمعهم يأسهم من خلق معنى لما لا معنى له، وأسفهم على أيام تمسكوا فيها بمبادئ -في وجهة نظرهم- واهية.

قد يتطرق إلى أذهاننا أسباب كثيرة دفعت “شلة” العوامة لتلك الرعونة في التفكير، ربما يكون مخدر يكبلون به ضمائرهم التي تردعهم عن المجون في العيش، فسقطوا عبيد لغرائزهم و لم يحركهم سوى انجرافهم خلف شهواتهم، وربما أفقدتهم أوضاع “مصر” السياسية آنذاك – حيث صدرت تلك الرواية في الحقبة بين العدوان الثلاثي و قبيل النكبة- معنى الوجود والسعي، وربما كان يطرح بها “محفوظ” نظرتان متناقضتان في الحياة تمثلتا في أنيس زكي و شلته، من ناحية، وهم يجسدون العبثية في أعتى صورها، وفي الصحفية “سمارة” من ناحية أخرى، والتي اقتحمت عليهم بديهيات الحياة و اتسمت بالجدية المبالغة و الإيجابية المفرطة.

تتركنا تلك القراءات الوجودية مع تساؤلات هائمة في فضاء أفكارنا، فإذا اقتصر ظهور مثل تلك النظريات على سوداوية الظروف المحيطة، كما في حالة كامو والعبثية، فما الرابط الذي جمع بينه وبين محفوظ خاصة أن الأخير عُرف باهتمامه بقضايا الحياة و اعتناقه مذهب الحرية!..
أيجب أن نكتفي بدفع الصخرة وإعادة دفعها دون تساؤل، كي لا نزداد حيرة وتخبطا، أم أن مرض الوعي إذا أصاب صاحبه سيغرق روحه في آلامه مهما حاول تناسيه !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى