مشاهد مسلسل “ليه لأ” تتكرر على أرض الواقع .. نسرد حكايات فتيات قفزوا للهروب من ضغوط المنازل

صوت العرب نيوز تكشف المستور عن قضايا الهروب التى تهدد الأسرة المصرية

كتبت: زبيدة عاطف

طل على الشاشة المصرية منذ أشهر قليلة مسلسل ،”ليه لأ”، سيناريو مريم نعوم و بطولة الفنانة أمينة خليل .أثار المسلسل ضجة كبيرة حيث اتهمه البعض بتحريض الفتيات غير الناضجات ،تأثرا بأحداثه، على الهرب من بيوتهن و السعي للاستقلال طلبا للحرية .وغفل هؤلاء”المهاجمين”  عن حقيقة تفشي هذه الظاهرة بالفعل في مجتمعنا ،بل أصبحت تتزايد طرديا بزيادة تعنت المجتمع ورفضه الاعتراف بوجودها من الأساس.

يشيع عند المجتمع المصري أن معظم هؤلاء الهاربات،إن لم يكونوا كلهن، يقعن ضحية شباب مخادع يوهمهن بالحب و يعدهن بالزواج مع حياة لا تخلو من “الخروجات و الفسح”.

ولكن لا يخفى على أحد اليوم أن هذا السبب أصبح واحدا من بين أسباب عديدة تدفع بناتنا بعيدا عن الأمان الأسري.

في البداية دعنا عزيزي القارئ نستعرض قصة المسلسل ونقارنها ببعض القصص من أرض الواقع لنصل الى أسباب  وبالتالي حلول تلك الظاهرة.

يحكي المسلسل قصة هروب فتاة ،٣١ عاما،من عائلة ثرية تحتفظ بتقاليدها الارستقراطية ، وتسلط أحداثه الضوء على دور الأم السلبي في حياة الفتاة ، التي كانت تعاني من كبت وتحكم شديد من طرف الأم، ولم تستوعب الأم دورها في ابتعاد ابنتها  عنها و تفضيلها أن تواجه الحياة بمفردها . وبرغم التسلسل الميلودرامي للأحداث لخدمة رسالة المسلسل، حيث تلين جميع الصعوبات التي تواجه البطلة ،و يسعى كل من تقابلهم لمساعدتها بنية صافية بيضاء، إلا أن تلك الدراما تلامس جزءا من الواقع والحقيقة. حيث نجد على أرض الواقع حكاية اختلفت تفاصيلها عن المسلسل ولكن توحدت الدوافع ،والنتيجة الهروب من البيت لواقع مرير.

“هربت من منزل والديّ ستة مرات “

تحكي لنا ت. أ ،صاحبة ال٢٢ عاما،  قصتها عن هروبها من منزل أهلها الكائن في إحدى محافظات الصعيد ولجوئها الى القاهرة.

كنت في الثامنة عشر من عمري عندما راودتني الفكرة لأول مرة ، لطالما لازمتني روح الاجتهاد في المذاكرة و بالفعل حصلت عل مجموع لا بأس به في الثانوية العامة ، والتحقت بكلية التجارة .هنا بدأت عيناي تنفتح عل العالم و تقارن بيني وبين الفتيات الاخريات. فأنا وحيدة أب وأم ميسوري الحال و مدللتهن ، ولكن مثل معظم الأسر المصرية كانوا شديدي التحفظ و يخفن كثيرا على سمعتهم من كلام الناس، وأنا فقط من عانى من تلك الطباع،تقول الفتاة”  شايفة البنات على السوشيال ميديا طول الوقت بتخرج و تسافر وتستمتع بوقتها وانا محرومة من متع كتير في الحياة بحجة الحماية من لسان الناس ” ، تكمل الفتاة أن حالتها النفسية ساءت كثيرا في ذلك العام ولم تستطع النجاح في الامتحانات و فشلت في عامها الدراسي الأول ،لم يتفهم أيا من الاب والام حالة ابنتهم النفسية و لا الدوافع وراء تخلفها الدراسي  ، ومما زاد الطين بلة رفعهم لوتيرة الضغط والمراقبة عليها ظنا منهم انهم يعالجوا ويصلحوا.

وفي أحد الأيام دبت مشاجرة حادة بينهم واستمرت لساعات طويلة ، في هذا اليوم قررت الفتاة تنفيذ الفكرة التي طالما جالت بخاطرها و بعدها بمدة وجيزة هربت الى القاهرة .

تتابع بطلة حكايتنا أنها عادت الى بيت أهلها بعدها بفترة ليست قصيرة عندما تصادمت مع الواقع المرير لفتاة تعيش وحدها في هذا المجتمع،ثم عاودت الهروب مرة آخرى .وهكذا ظلت تعود اليهم و تهرب ست مرات، في كل مرة من هذه المرات زادت الفجوة بينهم والتي حالت دون احتوائهم للموقف و احتضانهم لابنتهم ،وفي كل مرة أيضا تفقد الفتاة قدرتها على العيش في ظل ما أسمته “تحكمات” أهلها.

 “اللي شفته في الشارع خلاني أندم ندم شديد ولحد النهاردة بفكر ارجع اعيش وسطهم”

تلخص لنا الفتاة بكلمات مختزلة ،ولكن كافية، أصعب ما واجهته في معركتها غير العادلة مع حياة الشارع، فتقول “تحولت من شخص يختار ماذا يأكل  كل وجبة وربما يتذمر من أكلات معينة الى شخص يحسب  كيف يصرف  كل قرش في جيبه بل و ليالي كثيرة تئن معدته من شدة الجوع .لسخرية القدر ليس هذا أسوأ ما مررت به، فعلاوة عن بحثي الدائم عن وظيفة تستمر بضعة أشهر أعاود البحث مرة أخرى، اضطررت الى الوقوف وحيدة أمام أسوأ كوابيسي، ألا وهو الاستغلال الجنسي ،فأشباه الرجال يتصيدون الفرصة لنهش “لحم” أي فتاة يرونها ضعيفة وحيدة لا سند لها ولا حام ،وما أكثر أشباه الرجال في هذه الحياة..!

تختتم الفتاة حديثها بكلمات نادمة ناصحة ،مررت بالكثير ورويت منه القليل ، وما خفي كان أعظم ، واذا اردت اختصار تجربتي في جملة واحدة سأقول “كسبت حرية مزيفة وفقدت إحساسي بالأمان” ولذلك و لأسباب عديدة آخرى لا انصح أحد بتكرار تجربتي .

من أبرز أسباب تفشي ظاهرة ” الهروب” ،بين الفتيات عامة والمراهقات خاصة، هو إحساس الفتاة بالكبت الشديد وأن هنالك عالم بلا قيود ينتظرها بالخارج ، ستحقق فيه كل ما تنشده من متع الحياة .و يعد عالم الانترنت المعزز الأكبر لذلك الإحساس ،فلا ينكر أحد التأثير السلبي للصورة الوردية التي يرسمها ذلك العالم في اذهاننا . يتركنا في حالة تنافس “مزيفة”مستمرة لا مكان لها الا في عقولنا.من منا لا يبحث عن السعادة والمتعة والاستقرار المادي ، ولكن في عالم السوشيال ميديا هناك دائما من هو أغنى منك وأسعد منك ومن حقق في حياته أكثر منك. خلاصة القول فقد أصاب ذلك العالم الجميع بداء عدم الرضا .

وبإشارة سريعة الى حادثة”فتاة الإسكندرية” التي انتشرت مؤخرا ، تلتفت أنظارنا الى سبب آخر لا يقل أهمية عن السابق ، وهو العنف الأسري ، واستخدام  “الضرب ” بدلا من الحديث والنقاش كلغة للتحاور، وبالتالي يمنع البنت من البوح بمشاعرها والتكلم عن مشاكلها،فتبحث في الخارج عن بديل لدور العائلة .

قد يتهم البعض الفتيات ،اللاتي تتذرع بالكبت او العنف الأسري، “بالدلع الزيادة” ، معللين أن هكذا تربت الأجيال السابقة ولم تبدر منهم مثل هذه التصرفات. وهنا تكمن بذرة المشكلة، فالأهل لا يستوعبون حجم الفجوة التي خلقها الانترنت وعالم السوشيال ميديا بينهم وبين أبنائهم. وتتسع تلك الفجوة كل يوم بزيادة تعنت الآباء عن فهمها ،ورفضهم الاعتراف بمدى الاختلاف في أفكار شباب اليوم عن شباب البارحة.

يقولون الوقاية خير من العلاج، لذلك نقدم بعض النصائح للآباء ، باعتبارهم الطرف الناضج في تلك المشكلة، ليتجنبوا الوقوع فيها: أولا يجب عليهم تعزيز مبدأ ” الحب عير المشروط ” في المنزل، وتكرار كلمات مثل: “جميع الأشخاص خطائين وفي منزلنا نتعاون على حل مشاكلنا معا كعائلة واحدة” و”نحن لا نهرب من مشاكلنا بل نواجه الأمر ونتخطاه معاً كأسرة مترابطة”.

ثانيا تعليم الفتاة مهارات حل المشاكل، و تنمية قدرتها على المواجهة وعدم الهروب .

وأخيرا.. لا يمكننا التشديد بشكل كافي على أهمية وجود لغة حوار صحية بين الأهل والأبناء،  وبناء حلقة تواصل وثقة قوية تبقيهم مطلعين على الأحداث والتفاصيل الهامة في حياة الأبناء .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى