لم يدع دين إلى السلام والتعايش مع الآخرين مقدار ما فعل دين الإسلام؛ فهو من البدء إلى المنتهى دين سلام من الدرجة الأولى، وقد حرص على بث السكينة والطمأنينة في قلوب معارضيه ومخالفيه قبل مؤيديه، ويكفيه شرفًا أن اسمه مشتق من مادة (سلم) التي تعبر عن السِلم والأمان، كما حرص سيدنا محمد نبي الإسلام ﷺ على التعامل والتعايش السلمي مع الجميع في أوقات القوة قبل أوقات الضعف.
ولقد حرص النبي ﷺ على بث روح السلام في قلوب الجميع من خلال تنظيمه لقواعد السلام؛ فعن أَبي هريرة (رضي الله عنه): أنَّ رسولَ الله ﷺ قَالَ: “يُسَلِّمُ الرَّاكبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشي عَلَى القَاعِدِ، والقليلُ عَلَى الكَثِير”ِ متفقٌ عليه. وفي رواية البخاري: “والصغيرُ عَلَى الْكَبِير”ِ.
كما كان ﷺ يسلم على غير المسلمين؛ فعن أُسامة (رضي الله عنه): أنَّ النَّبيَّ ﷺ مَرَّ عَلَى مَجْلسٍ فِيهِ أخلاطٌ مِنَ المُسلِمِينَ والمُشْرِكِين عَبَدةِ الأوثَانِ واليَهُودِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِم النبيُّ ﷺ. متفق عليه.
وحتى في حالات الحروب؛ فقد نظم النبي ﷺ مجموعة من الأخلاقيات التي تضمن للآخرين مشاعر الأمن والسلام والطمأنينة عند قتال المسلمين؛ فقد أخبر ابن عباس (رضي الله عنهما) أن رسول الله ﷺ كان إذا بعث جيوشه يقول لهم: “لا تقتلوا أصحاب الصوامع”. وكانت وصيته للجيش كما نقلها ابن عباس: كانَ رسولُ اللَّهِ ﷺ إذا بَعثَ جيوشَهُ قالَ: “اخرُجوا باسمِ اللَّهِ قاتِلوا في سبيلِ اللَّهِ من كفرَ باللَّهِ، ولا تعتَدوا، ولا تغلُّوا، ولا تُمَثِّلوا، ولا تقتُلوا الوِلدانَ، ولا أصحابَ الصَّوامعِ”.(رواه أحمد).
ومما يؤكد ما سبق؛ ورود كلمة سلام في القرآن الكريم (كتاب المسلمين المقدس) 50 مرة؛ وكان لها لها حوالي عشرة مدلولات كما يلي:
1- السلام اسم من أسماء الله: “هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ” (الحشر، 23).
2- السلام دين الإسلام: “إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ” (آل عمران، 19).
3- السلام من الله على الأنبياء: “وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ” (الصافات، 181)، “سَلَامٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ” (الصافات، 79)، “سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ” (الصافات، 109)، “سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ” (الصافات، 120)، “سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ” (الصافات، 130).
4- السلام على الإنسان عند الميلاد والوفاة والبعث: “وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا” (مريم، 33).
5- السلام اسم من أسماء الجنة: “لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ” (الأنعام، 127).
6- السلام تحية الإسلام في الدنيا والآخرة: “سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ” (القصص، 55)، “دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ” (يونس، 10).
7- السلام هو الهداية والسبيل الصحيح: “يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ” (المائدة، 16).
8- السلام هو خُلُق المسلمين الصالحين: “وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا” (الفرقان، 63).
9- السلام علامة الصفح والنجاة في الدنيا والآخرة: “فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ ۚ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ” (الزخرف، 89)، “سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ” (الرعد، 24).
10- السلام للحفظ من الشرور: “سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ” (يس، 58).