فيلم Soul .. مرآتنا السحرية للحياة بعد الكورونا

كتبت – زبيدة عاطف :

إذا كنت تحبس أنفاسك وتراقب عقارب الساعة في انتظار سماع أجراسها معلنة عن انتهاء الحظر الذي فرضته على أحلامك، وبدء فصل جديد من الركض خلف أهدافك بلا “فيروسات” تعيقها، فإن فيلم “soul” هو الفيلم المناسب لك، ولكن قبل أن تسارع لمشاهدته كأن به الدواء السحري لداء الحياة “الميتة إكلينيكيا”، يجب أن أنبهك أن المرض الوحيد الذي يعالجه الفيلم هو مرض تعليق سعادتك على أجهزة الإنعاش بانتظار اللحظة التي ستضخ الدم في باقي أجهزة الجسم وتزيد من ذبذبات الجهاز المتصل بالقلب، فالفيلم لا يمت بصلة بالأوبئة الجسدية وكيفية مقاومتها.

تُسَجّل أرقاما جديدة يوميا هنا وهناك تحصي المصابين الجُدد بالفيروس الذي صنفته وزارة الصحة العالمية ب “الجائحة”، وباءا اقتحم حياتنا وخطف من بيننا أرواحا غالية على حين غِرَّة منا، ولكن ما لا يتم الإعلان عنه في تلك الأرقام هو عدد الناجين من الخواء الروحي الذي نُصب أمام أعيننا حين توقفنا عن الركض بغتةً، وبالتأكيد لم يعلنوا عن عدد الأجساد النابضة بلا أرواح تُحييها.

تهيم بنا كاميرا الفيلم في عالم لا قيمة للأجساد به، فتجد خلاياك تتشاحن تأثرا بحياة “جو جاردنر”-مدرس وعازف لا تجيد أنامله سوى الضرب على الآلات-التي مرت كالشريط الخاوي في انتظار الأغنية التي تعطيه الصدارة في مقدمة الرفوف، وحين اقترب كثيرا من تلك اللحظة الحاسمة، التي سَتُكسب حياته معنا جليا، خذله جسده وأعلن انتهاء صلاحية حياته، لم يتقبل جاردنر واقعه وقرر التشبث بحياته حتى وإن لزم الأمر هروبه من عالم ما بعد الموت “حرفيا”، كان يظن أنه يحتاج إلى يوما أخر فقط، ليلة واحدة يرى حلمه الذي رسمه لسنوات ينال أخيرا ما يستحقه من أوسمة، يرافقه في رحلة عودته للحياة شخصية تُدعى”الروح ٢٢”، وهي روح عاجزة عن إيجاد شرارة خاصة بحياتها، تخشى أن تعاصر الحياة بدون تلك الشرارة فتمر الأيام دون أن تحياها، ينجح “جو” في مقصده ويصل إلى وجهته التي طال انتظارها، يعزف مع فرقته المفضلة أمام حشد هائل من الناس، يرتفع بأدائه عن أرض المسرح ويقدم عرضا من أفضل عروضه، فقط ليجد نفسه يتساءل عن جدوى حلمه منذ البداية، فقد ظن أن سعادته تكمن في لحظة تحقيق هذا الهدف وحده، حتى وإن سبقتها لحظات خالية من الحياة ترنو جميعها للوصول لنهاية الطريق، وبدلا من أن يكون مرشدا للروح”٢٢”و يساعدها في التعرف على شرارتها، تعلّم منها أن لكل منا شغفه بالتأكيد، ولكن لكي تحيا يجب أن تكون كل طرقك ممهدة به، وقد خاب من تندثر سعادته إذا توقف بغتة عن الهرولة.

جاء فيروس كورونا وعرّى أمامنا حقيقة سعينا، فأيا كان النفق الذي اخترت لقطار حياتك أن يهرول به، ساعيا للوصول إلى الضوء الذي في نهايته، متغاضيا عن المحطات التي تمر عليه مرور الكرام، أيا كان نوع قطارك وكفاءة محركاته، فقد ضغطت الكورونا على مكابحه معلنة حالة توقف اضطراري غير معلومة الأجل، ليقف كل سائقٍ بجانب قطاره مواجها ظلمة نفقه وحده، غير متمرسٍ من فنون القتال شيئا، فهو لا يجيد الدعس سوى على دواسة البنزين، جاهلا بوجوب اعتراك طريقك كعلّامة لا كهاوٍ، أما عن علاماته فقد ضحت لك إذا توقفت في كل محطة لقرائتها، فمتعتك في إيجاد شريك حياتك على سبيل المثال لن تكتمل سوى بالتلذذ برحلة البحث ذاتها.

أفلا ننتشي جميعا حين ذهابنا لموعدٍ طال انتظاره؟ ومع ذلك قليلنا فقط من تغمره تلك النشوة مع بداية تجهيزه لذلك الموعد مرورا بأحاديث “الحلاق” الذي يشاركك محطة في هذه الرحلة!

إذا كنت من الناجين من المعركة الوحشية مع هذا الفيروس، فلا تنسى أن تتحرر من أسر النهايات، ولا بأس أن تضل بصلتك قليلا طالما لامست روحك كل طريق دهسته، وتذكر دائما أن الروتين يقتل متعتك أنت بالأفعال البسيطة ولا يقتل قيمة الفعل ذاتها، فلا تدعه يتسلل ثم يتمكن و يغتال.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى