عاقب عليه القانون وحرمته دار الإفتاء وأصر عليه المجتمع: مشرط حاد وبضع قطرات دماء وصرخة انثى

كتبت: منار محمد

 

في إحدى ليالي الشتاء الباردة، كنت استقل الخط الأول لمترو الانفاق عائدة إلى منزلي بعد يوم عمل استمر أكثر من 10 ساعات، كنت ارتجف فقررت سماع أغنية لمطربي المفضل “جاستين بيبر”، علها تلهيني عن الشعور بالإرهاق، على الرغم من إني رفعت الصوت لأعلى مستوياته، إلا أن السيدة التي جلست بجانبي صوتها كان أعلى بمراحل، فجذبتني جملة كانت ترددها بكل ما يملك صوتها من قوة لمن معها على الهاتف “البت لازم تتختن، لو ده محلصش هنتفضح لما تكبر”!.

لم أكن وحدي المنتبهة لحديث تلك السيدة العجوز، فكل من في العربة نظر إليها، ليعلو صوت واحدة منهن “عندك حق ده حفاظ على شرفها وعفة ليها لحد الجواز”. نظرات ثاقبة من الفتيات على حديث تلك السيدات، لكن واحدة منهن كسرت الصمت القاتل “بس ده انتهاك لحقوقنا كبنات مش عشان دي معتقداتكم يبقى نتظلم احنا حرام عليكم”.

اتذكر الكثير من تلك المواقف التي صادفتها مع الأصدقاء وعابري السبيل، ورغم اختلاف الحكايات إلا أن النهاية واحدة، “مشرط حاد” على أحد جانبيه ثبتت كلمات “العفة- الادب- العادات- الشرف”، وجانبه الآخر صرخة فتاة تألمت كثيرًا وظلت أيامًا متواصلة دون نوم، بعد أن فشلت المسكنات التي تناولتها بعد العملية في مداواة  أوجاعها النفسية.

يحاول الكثير من الأهل في عدة بلدان بالعالم ألصاق عملية الختان بالدين وأن الإسلام حلل ذلك، لكن دار الإفتاء المصرية كشفت أكاذيبهم، مؤكدة على حرمة ختان الإناث أو الاعتداء عليهن بأي صورة من الصور سواء كانت جسدية أو نفسية، وهو ليس قضية دينية تعبدية فى أصلها، ولكنها قضية ترجع إلى العادات والتقاليد والموروثات الشعبية.

مازال بعض العقلاء والأطباء والمسئولين في المجتمعات يحاربون تلك العادة، لكن في المقابل الإعداد في تأرجح مستمر، فتارة تنخفض وتارة ترتفع، وكشف أخر تقرير صادر عن منظمة اليونيسيف، أن أعداد الإناث المختونات، حول العالم في عام 2016، وصل إلى 200 مليون، ويعيش أكثر من نصف عدد هؤلاء في ثلاثة دول، وهم مصر وإثيوبيا وإندونسيا، وإنما يتشكل النصف الأخر من هذا العدد في دول إفريقية أخرى.

الختان ليس مجرد عملية، تنتهى الآلام المصاحبة لها بعد ساعات، فهو جرح غائر مهما مرت السنوات يظل مفتوحًا، والزواج عند أغلب الفتيات كوضع ملح خشن على الجرح، فهو مواجهة حقيقة لتلك الذكريات المؤلمة، وبرود جنسي في بعض الأحيان، قد يصل إلى هدم السعادة الزوجية، لكن لم يعد هناك حلًا يصلح ما افسده الأهل سوى الصبر.

بعد سنوات من المعانأة، وموت العديد من الإناث خلال عملية الختان أو بعدها، خصصت دول قوانين لمحاربة الختان وحماية الفتيات من الاعتداء على إنوثتهن وحقوقهن في حياة خالية من الأرهاق النفسي والفكري، في مقدمتهم مصر، التي جعلتها عقوبة شديدة، حيث جرم قانون العقوبات المصرى رقم 78 لسنة 2016 ممارسات ختان الإناث فى المادتين 242 مكرر و 242 مكرر (أ) فى قانون العقوبات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى