كيف تصطاد نرجسيا؟

بقلم  – زبيدة عاطف 

إذا كنت تبحث عن كيفية معرفة مضطربي الهوية النرجسية فلن نطيل عليك السرد، سؤال واحد فقط وأيا كانت إجابته فأعلم أنها -على الأرجح- الإجابة الأقرب للصواب، “إلى أي مدى تقدّر نسبة نرجسيتك؟”، ولا تجعل الشك يساورك فقط لأنك تظن أن العسر لا بد أن يسبق اليسر، نعم عزيزي القارئ يمكنك اعتماد إجابة الطرف المغاير على أنها ذبذبات صوتية تصدر من جهاز الرادار تنذرك بوجود المعدن الذي تبحث عنه ها هنا، ويكمن سر بساطة هذا الاختبار من كون صاحبنا لا يعتقد بوجود علة نفسية به، فهو يرى تفرده وتميزه يستحقان التعظيم من نفسه ومن كل من حوله، ولكن تمّهل قليلا، النفس البشرية أكثر تعقيدا مما تظن، فإن كنت تعتقد بحتمية هروبها من الخطر بمجرد استشعاره، فكر مرةً أخرى، مع ذلك فإننا هنا بصدد عرض ثمار العلاقة مع نرجسي، ولا نقصد هنا النرجسي الإيجابي-إذا عددناه أحد مضطربي النرجسية- بل نقصد التنقيب وراء إيجابيات الشخصية النرجسية، ربما يكون منظار آخر يُريك ما يفوق عينك المجردة على استيعابه، أما عن أسباب كونك مغناطيسا لا يجذب غير هذه الأشخاص فدعنا نغوص قليلا في أغوار نفسك، ولن نطيل الغوص حتى الغرق أضمن لك هذا فالحقيقة أقرب مما كنت تتمنى.

 

“إن مقدار فراغ هكذا حياة لأمر يفوق الخيال” الكسندر لوين واصفا الوجود النرجسي..

تقول الأسطورة الإغريقية أن “نركسوس” كان أية في الجمال لدرجة عشقه لانعكاس صورته في الماء حتى الموت، نعترف أننا جميعنا تتملكنا بعض صفات النرجسية، ولكن ما نحن بصدد الحديث عنه هنا ينتقل من الفخر إلى التفاخر، ومن تقدير الذات إلى تعظيمها، بحروفٍ أخرى هو انتقال من متعة تقييم الذات إلى خواء اضطرابات الهوّية، وبرغم اختلاف نسبة النرجسية من شخص لآخر، إلا أن توحله في بعض الصفات يعني مجابهتك نفوس خرجت من عباءة “السواء” ثم مزقتها، نفوس يغزوها جنون العظمة حتى تحوّل إلى محتلٍ لأراضيها يقتل كل تعاطف قد يتملكها-سواء كان للبشر أم الحيوانات-نفوس عالمها لا يدور حول الشمس بل يدور حولها هي، تُبقيك دائما بغلافها الجوي إما بكسب التعاطف والشفقة أو بالثورة والغضب، والآن قبل أن تدق أجراس الإنذار من خطر بناء علاقة مع مثل هذه الشخصيات خاصة “العلاقات العاطفية”دعنا نعدد لك مزايا انغماسك فيها:

١- إذا كنت ممن تسحره البدايات فحتما هذه العلاقة كُتبت لك، تماما كالقدر الذي جمعكما أخيرا-أو هذا ما سيحاول النرجسي بثه خلالك – كم هي مثيرة نظرية تلاقي الأرواح! فمن منا لا تفتنه براءة الحب من أول نظرة! ولهذا أعدك بعدم تقصير النرجسي من إستيفاء هذا الجانب، ك “الطائي”في كرمه سيجود عليك بالكثير ، كثيرٌ للحد الذي تستنكره في البداية ثم تعتاده فتصدقه، وكما يقول المثل “الزن على الودان أمر من السحر”

٢- والآن وروحك هائمة في سماء البدايات الفاتنة، حاول أن تلتمس بركته من كونك تشارك نفس الهواء معه، هذه الشخصية الرائعة، بل بالأحرى العظيمة، لا تستوفي حروف العربية والإنجليزية مدى عظمتها، ولهذا السبب فقط لن يترك فعلا حميدا ولا إطراء دون أن ينسبه لنفسه، لن يحرمك من نعمة تفاخرك بوجوده في محيطك، ليس عليك سوى مجاراته في ملحمة المدح هذه، فهو يتغذى على الاطراء مهما بدا لك واثقا

٣- تماما كما توقعت عزيزي القارئ كلمتان لا تجتمعان في لغته “أنا” و”الاعتذار”

٤- إذا كنت من الصامدين حتى هذه المرحلة فهنيئا لك وجودك في علاقة لا تعرف نوعها حتى هذه اللحظة، حتما هو خطأك إن ظننت أن تبادل المشاعر الحارة ومشاركة اللحظات و صناعة الذكريات يعني بالضرورة ارتباطك بهذا الشخص

٥- أخيرا وليس أخرا لا تسن سكاكينك كثيرا وأنت تحاول الانفصال، لأنه بالتأكيد لن يفسح لك الطريق لذلك، تارة بالمشاعر الرنانة التي عادت للطفو من جديد، وتارة فيما يُعرف ب “قلب الترابيزة”، أنت نفسك ستدهشك قسوتك عليه.

لهذه وأسباب أخرى كثيرة تقرر وسمك بلقب “الضحية”، ولا يتدخل في هذا التكريم أي مبالغات لغوية، فقد استحققت بجدارة هذه الجائزة بعد أن تغلّبت طبيعتك-التي نحسبها “طيبة القلب”-على حدسك الذي يأس من استنكارك له، فلتترك مشاعرك جانبا أرجوك وتدع وعيك يلتقط أنفاسه و يحررك من هذا المؤبد، ولا بأس ان تطلب الاستغاثة النفسية بعدها، فأنت الآن وجبة هشة لذيذة لأي نرجسي آخر، أما عن سؤال لماذا نصطاد نرجسيا؟، فقد حرزت الإجابة الصحيحة يا صديقي، للفرار منه لا غير.

اهرب!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى