العالم المصري “محمد مناع” يقتحم عالم النباتات بخاصية جديدة .. تعرف على سر “الكيتوزان” (حوار)

*”الكيتوزان” مركب الحياة في عالم النباتات

تعرف على سر “الكيتوزان” وأثره على النباتات

مصير تركيبة “الكيتوزان” لحفظ الفاكهة والخضراوات بعد خروجه من مسابقة تحدي تكنولوجيا الغذاء Food technology challenge

حوار:  زبيدة عاطف

العلم منارة الشعوب ومهد الحضارات، ولطالما كانت حضارة كيميت “الفرعونية” مهد العلم والعلماء السبّاقين في شتى المجالات، ربما طغا التقدم التكنولوجي على عقول العلماء في الآونة الأخيرة، وصارت المجالات الأخرى مهمشة تبحث عمن ينتشلها من خانة العلوم الارشيفية التي تجمد مجال البحث العلمي بها، ويضعها في ترس التقدم والبحث المستمر، وهذا ما قدمه لنا وللعالم الدكتور القدير “محمد مناع” في عالم النباتات من خلال شركته “Everfresh Biocoating Technology”، عرف العالم مادة “الكيتوزان” منذ آلاف السنين، ومع ذلك لا تزال تبهرنا بإمكانياتها واستخداماتها التي لا تنتهي، ناهيك عن فوائدها التي تفوق أضرارها، والآن سنترك الحديث للدكتور كي يخبرنا كيف سخّر فوائد هذه المادة في عالم الفواكه والخضراوات كي يطيل من “عمرها الافتراضي” ومدة تخزينها على الأرفف، عن طريقة مشاركته في المسابقة الإماراتية Food Technology Challenge، بل ووصول شركته التي ترعى الفكرة إلى التصفيات النصف نهائية، ولم يسعفه الحظ كي تكون الشركة من الأربعة الرابحين في المرحلة النهائية.

يستهل الدكتور حديثه بالتعبير عن شغفه الشديد للبحث العلمي، وعن رغبته المتزايدة للانتقال بإحدى أفكار أبحاثه العلمية، وهي كثيرة يفوق عددها ٢٨ بحثا منشورا بمجلات علمية مصنفة عالميا، من داخل جدران المعمل إلى التطبيق العملي كي يستفيد العالم كافة، ومصر خاصة، من تلك الأبحاث والتجارب، وبسؤاله عن نبذة بسيطة عن مسيرته العلمية أجاب الدكتور:

تخرجت من كلية الزراعة بجامعة القاهرة، وأعمل الآن كعضو هيئة تدريس بها، باحث في المجال الميكروبيولوجي مع أكثر من 12 عامًا من الخبرة البحثية، حصلت على الدراسات العليا في CIHEAM IAM-Bari في إيطاليا، أما عن الدكتوراه فمن جامعة كوريا وهي جامعة مرموقة في دولة كوريا، وأيضا باحث في جامعة بوسان الوطنية الكامنة في كوريا. وفقني الله وحصلت أبحاثي على العديد من الجوائز من مؤسسات أكاديمية مختلفة للإنجازات العلمية، ونُشرت في مجلات علمية مرموقة، وفي عام 2018 تسلمت جائزة الإنجاز الطلابي لمساهمتي العلمية طوال أعمال بحث الدكتوراه من جامعة كوريا،  والآن  أشارك في العديد من المشاريع البحثية والتي تتضمن علم الأحياء الدقيقة الغذائي.

سر “الكيتوزان” وأثره على النباتات

قبل أن نتطرق الى موضوع البحث و فكرة تطبيقه، هل يمكنك اخبارنا معلومات أكثر عن مسابقة تحدي تكنولوجيا الغذاء “Food Tech Challenge” الإماراتية و كيف آتتك فكرة المشاركة بها؟

 تحدي تكنولوجيا الغذاء هو منافسة عالمية تسعى لإيجاد حلول مبتكرة لتعزيز الأمن الغذائي كهدف أساسي لها، تدعم المسابقة تعهد والتزام دولة الإمارات تجاه شعبها للتنمية المستدامة في مجال الغذاء والمثابرة على توفير الأمن والكفاءة اللازمين من مواد التغذية، تحفز المسابقة المشاركين ذوي الخلفيات التعليمية و الثقافية المختلفة، بل إن الأولية بالنسبة لها تقديم الدعم لطلاب الجامعات و شركات ال” ستارت أب” في مراحلها الأولى خاصة إذا كانت الشركة ذوو خبرة سباقة في الزراعة الحديثة.

سر “الكيتوزان” وأثره على النباتات

واتتني فكرة تحويل إحدى أفكار أبحاثي العلمية إلى التطبيق العملي و ألحت علي في الآونة الأخيرة حينما تعرضت لمحنة ما واعتزلت البحث العلمي لفترة وجيزة من الزمن، وفي تلك حقبة، وأقول حقبة لأن كان لها الفضل في تغيير سير أفكاري، قررت ما أن اتخطى تلك المحنة، بإذن الله، فسوف أُسخر وقت ومجهود ذهني وبدني أكثر للبدء في طور التطبيق، ومن هنا سمعت عن تلك المسابقة وأنها تبحث عن أعمال جديدة ومثيرة تطوّع الابتكارات التكنولوجية لخدمة قطاعي الغذاء والزراعة في دولة الإمارات.

شارك في تلك المسابقة حوالي ٤٦٠ فكرة ومشروع، يتم تصفيتهم حتى يصلوا في الى أفضل اثنا عشر فكرة تستحق الدعم، وكانت شركتنا من الشركات التي توفقت في الوصول إلى تلك المرحلة، ثم تقوم لجنة من الخبراء باختيار الفائزين الأربع النهائيين، ودعوتهم لعرض نموذج مصغر عن فكرتهم في حدث مدته يومين، ثم تتقاسم تلك الفرق الأربعة الفائزة جوائز مالية تصل إلى مليون دولار أمريكي، بالإضافة تأهيليهم إلى برنامج تسريع الأعمال في الإمارات العربية المتحدة.

والآن وبعد أن نما للقراء خلفية واسعة عن المنافسة وطبيعة عملها والمشاركين بها، مما لاشك به أنهم يتوقون لمعرفة تفاصيل عن فكرة البحث العلمي الذي تبنته الشركة الخاصة بك، و كيف عزمت النية على تطبيقه على أرض الواقع ..!

في البداية يجب الإشارة أن مركب الكيتوزان “Chitosan” يستخدم منذ سنوات عديدة في مجالات عديدة مثل مجال التجميل والمجال الطبي فهو يستخدم، باختصار ، في خفض الوزن وقطع الشهية وعلاج الكوليسترول كما أنه مهم للغاية لصحة الجهاز الهضمي وأيضا يستخدم في التئام الجروح، ثم اخترق الكيتوزان مجال النباتات وأصبح له استخدام شديد الأهمية في زيادة العمر الافتراضي للفاكهة والخضراوات خاصة أنه مادة عضوية تستخلص من الطبيعة، من الهيكل الخارجي للصدف والمحار والأسماك الصدفية البحرية مثل الجمبري وغيرها، ولذا فإن فوائده تفوق مضاره بكثير، فهو مادة حافظة طبيعية قابلة للأكل دون التسبب بضرر على صحة الإنسان، كما أن له خصائص تكوين فيلم على الفاكهة والخضراوات لحمايتها من أمراض ما بعد الحصاد ومقاومتها للبكتريا وذلك بسبب خواصها الكيميائية الحيوية، وأهم ما يميز تلك المادة هو  قدرتها على التحلل البيولوجي تاركة خلفها بيئة نظيفة غير سامة أي أنه يعد مادة “صديقة للبيئة”.

ما الجديد الذي قدمته الشركة الخاصة بك لاسيما إذا علمنا أن تقنية حفظ الطعام باستخدام “كيتوزان” تعود إلى أبحاث ودراسات أُجريت منذ عام ٢٠١٢..؟

بل تعود تلك الدراسات إلى ما قبل ذلك بسنوات، وتتميز شركتنا بأنها من السبّاقين في محاولة تحويل تلك التقنية من أوراق البحث العلمي إلى منتج يمكن الاستفادة منه، كما أن التركيبة ونسب المواد المستخدمة، فهناك بعض الإضافات بجانب الكيتوزان مستخلصة من بعض النباتات، كل هذه المواد تتفاعل مع بعضها في معادلة لا يعرف سرها سوى مؤسسي الشركة، وذلك وفقا لأبحاث و تجارب كثيرة شهدت نتائجها في المعمل الخاص بي وسأعرض لكم بعض الصور الحصرية من نتائج تلك التجارب.

سأحاول الآن تبسيط آلية عمل هذه المادة بشرح مختصر ..

يعتمد عمل مادة الكيتوزان على آليتان أساسيتان، الأولى تعتمد على تكوين طبقة حماية ترتبط بالثمرة ضد الجفاف و لتقليل تنقس الخلايا والتاكسد بالاضافة الي طبيعة  الشحنة المادة الموجبة والتي تعمل كمغناطيس لجذب المادة الوراثية سالبة الشحنة لميكروبات الاعفان و منع نموها ، علاوة على ذلك يحفز الكيتوزان المناعة الدفاعية للنبات لاعتباره جسم غريب يرتبط به ويحفز النبات لإنتاج العديد من الانزيمات المرتبطة بهذه الاستجابة الدفاعية مما يؤدي إلى تحلل جدران خلايا الفطريات التي تنمو على النباتات وتثبيط الأمراض التي تصيب الثمرة و تقلل من عمرها وصلاحيتها.

إلى أي مدى ستزيد تلك التقنية من عمر الفاكهة والخضراوات..؟

إن تركيبة مركب الكيتوزان تزيد من عمر الفاكهة والخضراوات من ٣ إلى ٥ ضعف عمرها الافتراضي، وتختلف من نوع فاكهة إلى آخر  فالموز على سبيل المثال بعد معالجته بهذه المادة قد تصل مدة تخزينه إلى ١٢ يوما، أما عن التفاح فقد تصل إلى ٢٥ يوما، وكذلك الافوكادو والطماطم، وبالنسبة للثوم المقشر فعند معالجته قد تصل صلاحية تخزينه إلى ٢٠ يوما.

ما العوائد الاقتصادية والبيئية المحتملة لتوفر مثل تلك المادة في الأسواق؟

تقليل نسبة الهدر في المنتجات الزراعية له اثر اقتصادي و بيئي عظيم بالاضافة الي تقليل الهدر في المصادر التي تسخدم في انتاج هذه المنتجات كالارض الزراعية و مياه الري و الشحن و النقل لمنتجات سوف يتم هدرها

كما ذكرت منذ قليل أيضا فإن المصدر الرئيسي لتلك المادة هي مخلفات القشريات وبعض الكائنات البحرية، وبالتالي فإن استخلاص تلك المادة سيكون استغلال جيد لتلك المخلفات بدلا من التخلص منها بالدفن في البيئة، وذلك له آثاره الحميدة على البيئة علاوة على الاقتصاد حيث سيوفر الكثير من الأموال المدفوعة في عملية التخلص من تلك المخلفات.

وأخيرا حدثنا قليلا عن شركة Everfresh Biocoating Technology وعن مؤسسيها..

حينما قررت تنفيذ فكرة مركب الكيتوزان في حفظ الفاكهة والخضراوات، كان لابد من التأكد من فكرتين أساسيتين، الأولى هي طريقة تطبيق تلك المادة عل الفاكهة والخضراوات، وتوصلنا إلى وضعها في شكل طلاء بالرش ترش طبقة رقيقة منه للغاية على الثمرة، والثانية هي كيفية تجربة تلك المادة في السوق كي يكون لدينا نتائج عملية ملموسة من أرض الواقع نقتحم بها المسابقة، ومن هنا قمت أنا و زوجتي “دانييلا” وهي حاصلة على ماجستير في إدارة الأعمال وأخوها “ريكارد” وهو مهندس كيميائي في فنزويلا، بتأسيس شركة ” ايفر فريش”، وكبداية للتطبيق الواقعي قمنا بالاتفاق مع بعض محلات بيع الفاكهة والخضراوات و “السوبر ماركتس” المحلية باستخدام الطلاء و ملاحظة نتائج التجربة، وهنا حقا كانت نقطة انطلاقنا.

هل هناك كلمة أخيرة تود توجيها إلى المسؤولين والقراء ..؟

أود فحسب إضافة أنني لم أصب بالإحباط لعدم وصول شركتي إلى المرحلة الأخيرة بالمسابقة، فتلك المسابقة كانت سببا رئيسيا في تشجيعي على نقل العالم البحثي الورقي إلى طور التنفيذ، وأنا لم أفقد ذرة من شغفي وحماسي تجاه تلك الفكرة، وقد عقدت النية على الاستمرار في السعي حتى تصل إلى مهدها الأخير في الأسواق، ويدرك الجميع حقا مقدار الخير الذي سيعم إذا تحولت إلى منتج في متناول جميع التجار والمزارعين و كل من له اهتمام في مجال الغذاء، بل وأيضا لدي الكثير من الأبحاث القابلة للتحويل الواقعي، وسأعمل على ذلك ما تبقى من حياتي كي أفيد مصر والعالم أجمع، ففي النهاية هذه هي الغاية الأسمى لأي باحث وعالِم، أن يرى ثمرة ساعات طويلة قضاها مرتديا “المعطف الأبيض” و محاط بجدران المعمل و أنابيبه ترتكز عيناه داخل ثقب “ميكروسكوب” صغير محاولا استنباط نتائج واستنتاجات، يتحمل الباحث كل ذلك المجهود و ذلك الوقت المبذول  دون كلل أو ملل فقط كي يصبح جزءا من تطور الإنسانية، ويكون محركا صغيرا في عجلة التقدم وترس الحياة الذي لا يتوقف، فبالعلم والعلم وحده ترقى المجتمعات وتتحرر الإنسانية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى