إدارة فاشلة تتسبب في مشكلات فنية وعراقيل تمويلية تُعيق استكمال سد النهضة لعامين

سيطرة إثيوبيا المنفردة قد تودي بحلمها في مشروع سد النهضة

تقرير – محمد عيد:
سيطرة منفردة، فرضتها الحكومة الإثيوبية على ملف سد النهضة، طوال الأعوام الماضية، بين التعنت والرفض والمماطلة، كانت تصرفات أديس أبابا، المثيرة لغضب باقي الأطراف الأفريقية على رأسها مصر، ومن ثم السودان، التي مالت قليلًا لصالح هذا الملف، بعد امتيازات مادية قيل أنها حصلت عليها من إثيوبيا، فضلًا عن الوعود البراقة بحصة منفردة من المياه، ستحصل عليها، لتبقى القاهرة وحدها في ساحة حرب المياه أمامهم.
سد النهضة الذي بُني في نهر النيل الأزرق قرب الحدود الإثيوبية السودانية في 2 أبريل 2011، عقب أحداث ثورة الـ 25 من يناير، ولاقى دعمًا كبيرة من جماعة الإخوان الإرهابية، بحماية من نظام الرئيس المعزول محمد مرسي، أثار قلقًا كبيرًا لدى مصر، التي تخشى من أن يؤدي تنفيذه إلى تقليل كميات المياه المتدفقة إليها من مرتفعات الحبشة عبر السودان، فيما تقول أديس أبابا، التي تتضامن معها الخرطوم، إن السد الذي تبلغ استثماراته 4.8 مليارات دولار لن يكون له تأثير قوي على مصر.
مؤخرًا، أرادت أديس أبابا، أن تُعطي للقاهرة تطمينات شفوية فقط لأنها في نهاية المطاف تريد الاحتفاظ بحق التصرف المنفرد دون وجود أي اتفاق مكتوب حول سياسة تشغيل السد كي لا يلزمها بأي شيء، الأمر الذي سيؤثر خلال فترة ملئ الفيضان في مرحلة بعد الملئ، وفي أوقات الفيضان المنخفض لأن إثيوبيا في تلك المرحلة سيكون لديها خياران، إما احتجاز المياه بغرض توليد الطاقة أو تطلق المياه لأغراض الزراعة وسيكون في هذه الحالة قرار إثيوبي.
حاولت مصر من خلال منشادات دولية، واجتماعات ودية، طرح وجهة نظرها في خطورة بناء السد، من خلال تقارير فنية، اقترحت عرضها على متخصصين تابعين للشركة الفرنسية، مؤكدة أنها لا يمكن أن تقبل بأي نقص في حصتها في مياه نهر النيل، ولابد أن تقتنع إثيوبيا أن الكهرباء مسألة يمكن توفيرها بغير سد النهضة، ولابد أن تقتنع أيضًا بأن مصر لن تقبل بنقص حصاتها من مياه نهر النيل.
وفي إبريل الماضي، حملت إثيوبيا القاهرة المسؤولية عن فشل اجتماع الخرطوم الثلاثي الأسبوع الماضي بشأن سد النهضة الإثيوبي، حيث قال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، ملس ألم، إن “سبب فشل مفاوضات الخرطوم هو عدم جدية وعدم تعاون الجانب المصري، وطرحه لاتفاقية 1959 في المفاوضات”.
وتمنح هذه الاتفاقية، الموقعة بين السودان ومصر، القاهرة 55.5 مليار متر مكعب سنويا من مياه نهر النيل، بينما تحصل الخرطوم على 18.5 مليار متر مكعب.
وقال ألم: “إثيوبيا تعتبر أن هذه الاتفاقية لا تعنيها. طرح تلك الاتفاقية يعتبر خطا أحمرا، ولا يمكن أن تتفاوض أديس أبابا حولها، فلا يمكن أن نتحدث عن اتفاقيات لم نكن طرفا فيها”.
وشدد على أن “عدم جدية وعدم تعاون الجانب المصري، وطرحة لاتفاقية 1959 أدى إلى عدم التوصل إلى توافق حول قرار مشترك بشأن سد النهضة بين الدول الثلاث”.
كان المتحدث باسم الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، نفى الاتهامات التي وجهت لمصر بشأن وقوفها وراء تعثر المفاوضات الأخيرة، مؤكدا على أن “مصر شاركت في اجتماعات الخرطوم بكل إيجابية ورغبة جادة في التوصل لاتفاق يكسر حالة الجمود الحالية في المسار الفني الخاص بالسد”.
وقال أبوزيد إن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، وجه بالأمس دعوة لنظيريه السوداني والإثيوبي لحضور اجتماع ثانٍ يعقد في القاهرة لاستكمال المناقشات، مؤكدا أن هذا يعتبر أكبر دليل على أن مصر لا يمكن أن تكون طرفا معيقا للوصول إلى اتفاق مثلما تم تداوله إعلاميا.
وأضاف أن مرونة مصر في هذا الملف تتضح من خلال الاقتراح الذي طرحته بمشاركة البنك الدولي في المفاوضات الثلاثية، وغير ذلك من الاقتراحات التي قدمتها خلال اجتماعات الخرطوم.
وفي 26 يوليو أعلنت السلطات الإثيوبية عن مقتل مدير مشروع سد النهضة، ولم تكمل الشرطة التحقيق وعملية تحديد القاتل أو دوافع الجريمة بعد، إلا أنها احتجزت عددًا من المشتبه بهم.
وفجأة وبدون سابق إنذار تُعلن إثيوبيا اليوم، عن احتمالية كبيرة في عدم اكتمال المشروع، مؤكدة أن تأخر عملية البناء قد تكون بسبب “الإدارة الفاشلة للمشروع”، محملة شركة “ميتيك” التابعة لوزارة الدفاع في إثيوبيا المسؤولية عن ذلك.
وقال رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد: “إن بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير كان من المخطط انتهاؤه في 5 سنوات ولكن لم نتمكن من ذلك بسبب إدارة فاشلة للمشروع وخاصة بسبب تدخل شركة ميتيك”.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن الشركة وإدارتها لم تكن عندهما خبرة ولا معرفة بالعمل في مثل هذه المشروعات الكبيرة، وأضاف أنه بعد مجيئه إلى السلطة تم تأسيس لجنة لمتابعة سير العمل في السد وتشير تقاريرها إلى أن شركة “ميتيك” “لم تنفذ الاتفاقية بشكل مطلوب”.
وذكر أبي بأن شركة “ساليني” الإيطالية طلبت من الحكومة تعويضات مالية بسبب تأخر شركة “ميتيك” بالانتهاء من المشروع في الوقت المحدد.
وفي السياق ذاته قال أبي إن مدير مشروع سد النهضة، المهندس سميو بقل، كان يخدم وطنه وضحى بروحه من أجل الوطن، لافتا إلى أن إجراءات التحقيق حول القاتل تجري على قدم وساق.
قال رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، إن هناك مشكلات في تصميم سد النهضة، الأمر الذي ينذر بعرقلة إتمام بناءه في الموعد المحدد، موضحًا أن “هناك مشكلات تتعلق بالتصميم.. لم نتمكن حتى من تثبيت توربين حتى الآن، ناهيك عن استكمال المشروع وفق الجدول الزمني”.
وقال أحمد “لقد سلمنا مشروعا مائيا معقدا إلى أناس “شركة المعادن والهندسة” لم يروا أي سد في حياتهم، وإذا واصلنا السير بهذا المعدل، فإن المشروع لن يرى النور”.
من جانبه قال الدكتور محمود أبوزيد، وزير الري الأسبق، إن تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، بشأن سد النهضة لا يعني بها أن المشروع توقف أو أن إثيوبيا تراجعت عنه.
وأضاف “أبوزيد” ، أن المشروع يواجه عدة مشكلات في التمويل وبعض الجوانب الفنية، مشددًا على أن الأمر قد يستغرق أكثر من عامين.
وأوضح وزير الري الأسبق، أن الإنفاق على المشروع بلغ حتى الآن 5 مليارات دولار، مؤكدًا، أن تركيب التروبينات للبدء في التخزين واحدة من أصعب الأمور الفنية التي تواجهها إثيوبيا فضلا عن تنسيق العمل بين سد النهضة والسد المساعد.
ولفت وزير الري الأسبق، إلى أن مصر لا تتدخل في الأمر إلا فيما يخصها سواء كان الملء أو كميات التخزين، أما غير ذلك فإن الأمر شأن داخلي لإثيوبيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى