“التحرش” في قفص الاتهام.. يُهدد استقرار الاقتصاد ويقتل تمكين المرأة

تقرير – محمد عيد:
تصرف مُحرم وسلوك منحرف، يأثم فاعله شرعًا، هكذا كان الحكم الصادر عن دار الإفتاء المصرية، بشأن “التحرش”، الذي أكدت في بيانها، أن ملابس الفتاة أو سلوكها ليس مبررًا يُسوغ للمتحرش جريمته النكراء، أو يجعل الفتاة شريكة له في الإثم”
فالتحرش، جريمة مدنية ودينية، ليس هذا فحسب، فهو أيضا جريمة اقتصادية، ووفقًا لمسح التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعي – مصر 2015- الصادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن تكلفة الوقت الإضافي الذي يترتب على تغيير النساء للطرق أو وسيلة المواصلات أو اضطرارهن لاصطحاب مرافق لتجنب العنف والتحرش في طريقهن بلغت 548 مليون جنيه، في 2015.
هذا فيما يخص المواصلات فقط، لا العمل ولا الأماكن العامة ولا غيرها، ودون حساب تكاليف العلاج البدني والنفسي، وتكلفة أيام وأوقات العمل الضائعة، بل وتكلفة وجود شرطة نسائية متخصصة في مكافحة التحرش، وتكلفة التقاضي حال الإبلاغ.
أعظم التكاليف هو خسارة عمل المرأة نفسها، فوفقًا لبيانات جهاز التعبئة والإحصاء، فقد انخفض عدد النساء الراغبات في العمل والقادرات عليه من 7 ملايين امرأة في نهاية عام 2016 إلى 6.4 مليون امرأة بنهاية يونيو الماضي، بصافي خسارة النساء الراغبات في العمل والقادرات عليه حوالي 600 مليون، في دولة تشهد زيادة سكانية مستمرة، وأعدادًا كبيرة من الخريجين والخريجات كل عام.
وأصبح الوضع الحالي أنه من بين كل 5 أشخاص يدخلون إلى سوق العمل هناك 4 ذكور وأنثى وحيدة، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، رغم اهتمام الدولة الواضح بتولي المرأة للمناصب القيادية، كحق أصيل لجهودها الكبيرة في التحدي للوصول إلى القمة، وتكون عنصرًا هامًا مشاركًا في هذا الوطن.
لذا يُمكن القول، وبصراحة، أن التحرش يضر بعملية تمكين المرأة ويؤدي في المدى المنظور إلى إعادتها إلى خانة التابع للذكر القادر، وحده، على الإعالة.
بالطبع التحرش ليس السبب الوحيد لتراجع عمل المرأة، فالقطاعات القائدة لنمو الوظائف لا تناسب طبيعتهن، فنمو الوظائف ينحصر في أنشطة تجارة الجملة والتجزئة والغذاء والإقامة والتشييد والبناء والصناعات التحويلية، هذا بالإضافة إلى تدهور الأوضاع المعيشية لغالبية الأسر المصرية، ما يخفض الفارق بين رواتب النساء من جهة، وتكلفة العمل من مواصلات وتغذية وخسارة وقت يمكن تخصيصه لرعاية الأبناء والزوج والمنزل، فتزداد احتمالات ترك النساء لوظائفهن.
ووفقًا لبيانات جهاز الإحصاء فإن متوسط أجر الإناث في القطاع الخاص وغير الرسمي يساوي حوالي 83% من متوسط أجر الذكور، وتقل الفجوة في القطاع الحكومي ولكنها تظل لصالح الذكور، وبالتالي فإن تخلي المرأة عن عملها يكون قرارا أسهل عن تخلي الرجال عن عملهم، هذا بالإضافة إلى صعوبة تخلي الرجل، العائل التقليدي، عن عمله من منظور اجتماعي.
كان الدكتور راجى أسعد، أستاذ التخطيط والشئون العامة في جامعة مينسوتا، قد نصح في عام 2015 بالتوسع في توظيف النساء بالجهاز الحكومي، لأن المصريات أكثر ميلًا للتخلي عن الوظائف في القطاع الخاص، الرسمي وغير الرسمي، بعد الزواج، خاصة أن الزوجة المصرية تعمل في المنزل نفس عدد ساعات العمل في دوام وظيفي كامل.
وأضاف أسعد أن المرأة المتزوجة تعانى من خطر التحرش الجنسي أكثر في القطاع غير الرسمي، ومخاطر أخرى تتعلق بالسمعة، كما تعانى من إنشاء المناطق الصناعية خارج التكتلات السكنية، حيث تواجه المرأة صعوبة أكبر في التنقل مقارنة بالرجل.
لذا اقترح أن يوفر القطاع الخاص وظائف بدوام جزئي، وخيارات عمل مرنة، وفرصة لاقتسام الوظائف، والعمل من المنزل، كما على الدولة أن تحفز المستثمرين على افتتاح بعض أنشطتهم في مناطق قريبة من التكتلات السكنية، وأن توفر الدولة مواصلات وأماكن عمل مخصصة للنساء فقط.
وهذا كله بالطبع لابد أن يضاف إليه حملات توعوية وأمنية تقضي على ظاهرة التحرش التي تضر الاقتصاد المصري بشكل يومي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى