البحر الميت من مقصد سياحي إلى مقبرة للموت.. 55 ضحية من بين وفاة وإصابة بسبب السيول

كتب – محمد عيد:
البحر الميت هو بحيرة ملحية مغلقة تقع في أخدود وادي الأردن ضمن الشق السوري الأفريقي، على خط الحدود الفاصل بين الأردن وفلسطين التاريخية (الضفة الغربية وإسرائيل). يشتهر البحر الميت بأنه أخفض نقطة على سطح الكرة الأرضية، حيث بلغ منسوب شاطئه حوالي 400 متر تحت مستوى سطح البحر حسب سجلات عام 2013.
وارتفعت حصيلة وفيات السيول في منطقة البحر الميت إلى 20 حالة وفاة و35 مصابا، وما يزال البحث جاريا عن مفقودين آخرين جرفتهم السيول، أغلبهم من الطلبة جرفت السيول حافلة مدرسية كانوا يستلقونها، وكانت الحافلة تقل 37 طالبا وسبعة من أعضاء هيئة التدريس في رحلة إلى منطقة المياه الساخنة/الزارة.
وبدأت السلطات عملية إنقاذ واسعة، بينما ذكرت وكالة رويترز للأنباء أن فرق الإنقاذ عثرت على 34 ناجيا حتى الآن، بعدما أشارت تقارير إلى أن بعض الناجين في حالة حرجة.
وبين القتلى والمصابين أفراد عائلات كانوا يتنزهون في المنطقة.
ونقل التلفزيون الرسمي عن قائد الشرطة العميد فريد الشرع قوله إن السيول امتدت إلى مسافة 5 كيلومترات.
وألغى الملك عبد الله زيارة كانت مقررة إلى البحرين الجمعة، وذلك من أجل متابعة تداعيات الحادث، حسبما أوردت وكالة الأنباء الرسمية.
وفي الوقت نفسه، توجه رئيس الوزراء عمر الرزاز إلى المنطقة لمتابعة جهود الإنقاذ.
وتشهد المنطقة هطلا غزيرا للأمطار منذ أيام. وتسببت الأمطار في إغراق بعض الشوارع في العاصمة عمّان، وهو ما أدى إلى حدوث تكدسات مرورية، فيما شهدت مناطق أخرى عواصف ثلجية.
ويعد الحادث ثاني مأساة تحدث نتيحة سيول بالقرب من البحر الميت هذا العام.
ففي أبريل الماضي، لقي تسعة مراهقين حتفهم بعد أن جرفتهم المياه في منطقة ناحال تزافيت جنوبي إسرائيل، بينما أنقذت فرق الإنقاذ 15 شخصا.
يتميز البحر الميت بشدة ملوحته، إذ تبلغ نسبة الأملاح فيه حوالي 34%، وهي ما تمثل تسعة أضعاف تركيز الأملاح في البحر المتوسط، وواحدة من أعلى نسب الملوحة بالمسطحات المائية في العالم. وقد نتجت هذه الأملاح لأن البحيرة هي وجهة نهائية للمياه التي تصب فيه، حيث أنه لا يوجد أي مخرج لها بعده.
يصل عرض البحر الميت في أقصى حد إلى 17 كم، بينما يبلغ طوله حوالي 70 كم. وقد بلغت مساحته في عام 2010 حوالي 650 كم2 إذ تقلصت خلال الأربع عقود الماضية بما يزيد عن 35%. كما يلعب المناخ الصحراوي للمنطقة الذي يمتاز بشدة الحرارة والجفاف ومعدلات التبخر العالية دورًا كبيرًا في زيادة تركيز تلك الأملاح فيه.
لقد عانى منسوب البحر الميت مؤخرًا من التراجع المستمر، حيث يرجع هذا الأمر إلى عدد من الأسباب الرئيسية، كالاستخدام المكثف لمصادر المياه، وأهمها نهر الأردن، وضخ المياه في الحوض الجنوبي، حيث يتكون البحر الميت حاليًا من حوضين؛ شمالي وجنوبي يقسمهما شبه جزيرة اللسان.
ونتيجة للإنخفاض المستمر لهذا المستوى، تعرض الجزء الجنوبي من البحيرة للجفاف، حيث إنّ الجزء الجنوبي أقل عمقًا من نظيره الشمالي، ويصل ارتفاع منسوب شاطئه إلى 401 متر تحت مستوى سطح البحر. ومع تجفيف الجزء الجنوبي، تم إنشاء برك لتبخير المياه وإنتاج البوتاس والمواد الكيماوية الأخرى مثل المنجنيز و المغنسيوم و البرومين في مصانع البوتاس الإسرائيلية، وشركة البوتاس العربية في الأردن. وتحتاج تلك البرك إلى ضخ كبير من مياه البحر الميت وتبخيرها، مما أثر تأثيرًا كبيرًا على زيادة انخفاض مستوى سطح البحر.
يُعد البحر الميت مهماً جدًا للصناعة والسياحة في المنطقة، حيث تُعتبر تركيبة مياهه مختلفة عن المياه الطبيعية، باحتواءها على تركيز عالي من الكالسيوم والبوتاسيوم. ويُستغل هذا في مصانع الجانبين الأردني والإسرائيلي. وترجع الأهمية التاريخية والسياحية لمنطقة حوض البحر الميت إلى البحر نفسه وإلى شواطئه، حيث توجد بعض المعالم الأثرية والدينية الهامة في المنطقة مثل مسعدة، وخربة قمران، وكهف النبي لوط، بالإضافة إلى التشكيلات الملحية الطبيعية، والمناخ السائد فيه، فكلها جعلت من البحر الميت نقطة جذب سياحية عالمية، وخصوصًا فيما يتعلق بالسياحة العلاجية.
وتحوي المنطقة على آلاف الغرف الفندقية، حيث تتركز في الجزء الشمالي الشرقي في الأردن، بالإضافة إلى الجزء الغربي المطل على الحوض الجنوبي وقد رُشح ليكون أحد عجائب الدنيا السبع الطبيعية في نطاق البحيرات.
تُقدر كمية التبخر في مياه البحر الميت بحوالي 1600 ملم في العام. وبحسب الفحوصات التي أُجريت على مياهه فإن عملية التبخر والتغيرات الكيمائية تحدث خلال الأربعين مترٍ العليا، وما دونها فهو ثابت لا يتغير. إذاً تختلف كمية ونوعية الأملاح حسب العمق. وتبلغ الأملاح المذابة 44 مليار و 957 مليون طن. ومن هذه الكمية تُقدر المواد التالية بملايين الأطنان: كلوريد المغنيسيوم حوالي 23 ألف مليون طن، ملح الطعام حوالي 12 ألف مليون طن، كلوريد الكالسيوم حوالي 6 الآف مليون طن، كلوريد البوتاسيوم حوالي ألفان مليون طن، بروميد المغنسيوم حوالي 975 مليون طن، كبريتات الكالسيوم حوالي 105 مليون طن، بيكربونات الكالسيوم حوالي 46 مليون طن، وكلوريد الروبيديوم حوالي 12 مليون طن.
عُرف البحر الميت في الكثير من ثقافات وحضارات شعوب المنطقة. وكان الفراعنة أول من التفت إلى أهميته، وتحديدًا الملكة كليوبترا، فهي أول من اكتشف أملاحه وخصائصه الشفائية والعلاجية للبشرة وشدّ العظام والجلد وتنشيط الدورة الدموية ومقاومة التجاعيد، كما كان حمام الطين أحد وصفاتها للجمال، حيث كانت تصنع ذلك الحمام من الطين المأخوذ من البحر الميت، والذي اشتهر باحتوائه بوفرة على المعادن التي تغذي البشرة وتنشطها وتسهم في نعومتها وبريقها.
وقد وُصف البحر الميت في الكثير من اللوحات الفنية العالمية، كلوحة الفنان المجري تيفادار أثناء زيارته لفلسطين عام 1906، حيث ظهرت فيها مدينة القدس ومن خلفها البحر الميت. كما ذُكر البحر في عدد من الأعمال الأدبية، سواءً المحلية أو العالمية.
وتُعد قصيدة “حجر كنعاني في البحر الميت” للشاعر الفلسطيني محمود درويش أحد أهم تلك الأعمال الأدبية.
من جهة أخرى، تُعد “قصائد البحر الميت” التي كتبها الشاعر الإنجليزي سيمون آرميتاج من الأعمال الأدبية الغربية المهمة في هذا الخصوص. وقد استوحاها من النتائج التي توصل إليها علماء الآثار من مخطوطات البحر الميت، والتي اكتشفها راعي ماعز في عام 1947، كما عكست تجارب الشاعر وتجذرها في حياته الخاصة. وتتكون القصيدة من 11 موشحة، معظمها يتكون من 3 أسطر، و يتكون المقطع الشعري الأخير من مجرد نصف سطر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى