عرب وعالم

إيران في المغرب .. من تقويض الأمن الروحي إلى تهديد القومي

لم يصمد قطار العلاقات المغربية الإيرانية طويلا أمام أطماع رجال الملالي في طهران، إذ عاد إلى التوقف من جديد، بعد مضي زهاء سنة ونصف على انطلاقته في تشرين الأول (أكتوبر) 2016، بعد قطيعة طويلة تعود بدايتها إلى آذار (مارس) 2009.
قرّر المغرب في مستهل الشهر الجاري، قطع علاقاته الدبلوماسية مع الجمهورية الإيرانية، بعدما وقفت أجهزته الاستخباراتية على معلومات، تفيد بأن إيران تخطت مسألة “الأمن الروحي” للمغاربة الذي شكل تجاوزه خطا أحمر، كان السبب وراء تجميد العلاقات بين البلدين طيلة سبع سنوات خلت، نحو تهديد الأمن القومي للبلاد، من خلال إقدام أعضاء من تنظيم حزب الله؛ الوكيل المحلي لإيران في لبنان، على القيام بأنشطة ذات طابع عسكري لمصلحة جبهة البوليساريو، بتنسيق مع السفارة الإيرانية في الجزائر.
تاريخا، كان التوافق أساس العلاقة بين البلدين، حتى بلغ درجة التعاون الاستخباراتي بين البلدين، في إطار ما سمي حينها باتفاقية “نادي السافاري” التي تم التوصل إليها في مدينة جدة السعودية عام 1975. وكانت خماسية الأطراف “المغرب وإيران والسعودية ومصر وفرنسا” بهدف القيام بعمليات مشتركة في القارة الإفريقية.
تعود حالة الصدام السياسي بين طهران والرباط إلى ما بعد الثورة الإيرانية، وتحديدا مع سقوط الشاه محمد رضى بهلوي الذي حل ضيفا على العاصمة المغربية، في نوع من “الولاء الملكي” أظهره الراحل الحسن الثاني لصديقه وقتها. وتعزز هذا التوتر لاحقا بسبب الحرب العراقية الإيرانية، التي وقف فيها المغرب حكومة وشعبا إلى جانب الجمهورية العراقية. كانت القطيعة الرسمية الأولى للعلاقات بين البلدين سنة 1980، حين اعترف الخميني بشكل رسمي بـ “دولة” الجمهورية العربية الديمقراطية الصحراوية، التي أعلنت جبهة البوليساريو قيامها في الجزائر قبل أربع سنوات. قطيعة عزّزها الصراع المذهبي “السني/الشيعي” بين البلدين، ما دفع الحسن الثاني إلى استصدار فتوى تُكفر الإمام الخميني من فقهاء المغرب، ذكرها في خطاب تلفزيوني شهير عام 1984، في معرض اتهامه إيران بالتحريض على “انتفاضة الخبز” الدامية التي هزت مدنا مغربية “الحسيمة، الناظور، تطوان، ومراكش” بسبب زيادة أسعار مواد استهلاكية مطلع تلك السنة.
مطلع العقد الأخير من القرن الماضي، تحسنت العلاقات بشكل نسبي؛ بدءا بتعيين القائمين بالأعمال في الرباط وطهران سنة 1991، ثم الانتقال نحو رفع التمثيل الدبلوماسي في البلدين إلى مستوى السفراء سنة 1993. مع إصرار المغرب على التمسك بالحيطة والحذر طيلة تلك الفترة، خشية اعتماد الدبلوماسية الإيرانية على التقية قصد نشر مذهبها في المغرب.
كان ذلك سببا وراء القطيعة الثانية للعلاقات في آذار (مارس) 2009، عقب تضامن المغرب مع مملكة البحرين، وقوفه على نشاطات ثابتة للبعثة الدبلوماسية في الرباط، تستهدف الإساءة إلى المقومات الدينية الجوهرية للمملكة، والمس بالهوية الراسخة للشعب المغربي ووحدة عقيدته. ما أدى إلى حينها إلى إغلاق عديد من المدارس الإيرانية في المغرب، مع حملة واسعة لتطهير المكتبات والخزانات المغربية من الكتب الشيعية.
في عزّ استمرار الخناق على إيران، اتخذت الرباط أواخر سنة 2016، قرار استئناف العلاقات مع طهران، بعد سبع سنوات من القطيعة. وفق شروط متبادلة، أساسها احترام السيادة الوطنية لكلا البلدين، والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية له.
رغم الجهود التي بذلها المغرب لبناء الثقة المفقودة مع النظام الإيراني منذ استئناف العلاقات، غير أن الأمور عادت إلى نصابها، والنصاب هنا عداء تاريخي ومذهبي، لم تزده سنوات الجفاء والقطيعة، والتطورات الإقليمية والدولية إلا استفحالا.
يسعى سدنة النظام في طهران إلى تطويق العالم العربي بأذرعهم، ما جعلهم لا يحفظون عهدا قطعوه للقريب أو البعيد، بسبب العمى المذهبي والنعرة الطائفية التي تحكم علاقاتهم. فبعد ما فعلوه في أكثر من دولة عربية في الشرق “لبنان، العراق، سورية، واليمن”، جاء دور منطقة شمال إفريقيا حيث بدأت أنشطتها تتمدد في الجزائر، حتى بلغت مستوى طالب فيه الجزائريون بطرد المحلق الثقافي في سفارة إيران أمير موسوي، الذي تعدى المهام الدبلوماسية إلى الانخراط المباشر في مشاريع لنشر التشيع. وكانت تلك الأنشطة سببا وراء ترحيل من الخرطوم، التي عمل سابقا فيها بذات الصفة.
استغلت طهران متانة علاقاتها مع النظام الجزائري، وخلاف هذا الأخير مع المغرب حول مسألة ترسيم الحدود، لتسند مهمة النسيق والتعاون العسكري جبهة البوليساريو لحزب الله، قصد ممارسة مزيد من الضغط على المغرب بسبب مواقفها ضد إيران في حرب اليمن، ومشاركته في عاصفة الحزم. فضلا عن تنامي علاقاته بدول مجلس التعاون الخليجي، التي بلغت مستوى عقد قمة مغربية خليجية، في نيسان (أبريل) 2016 في العاصمة السعودية الرياض.
لا تقف الخطة الإيرانية عند مجرد الضغط، بل تتعداه إلى توريط المغرب في صراعات “الحرب مع البوليساريو مثلا”، كي تبقى لها الساحة الإفريقية خالية من أجل نشر عقيدتها، والإكثار من المواليين لنظام الخميني والحوزة في إفريقيا. خصوصا، أن طهران ما انفكت تعبر عن امتعاضها من السياسة الدينية للمغرب في العمق الإفريقي، بعدما أسس مؤسسة محمد السادس لعلماء إفريقيا، التي تضع من بين أهدافها مقاومة التشيّع والتحول المذهبي الذي تشجعه مؤسسات إيرانية ولبنانية، تدفع أموالا وتقدم خدمات قصد استمالة المسلمين الأفارقة الفقراء، وتشجيعهم على تغيير عقيدتهم السنية الأشعرية والسنية السلفية، وإعلان الولاء للمراجع الشيعية في قم في إيران.
أمام هذا الوضع المركب ذي الخطط المتداخلة، لم يكتف المغرب بتوجيه الاستفسارات عبر القنوات العادية؛ وفق الأعراف الدبلوماسية، بل تحمل وزير خارجيته عناء لقاء نظيره الإيراني في طهران، فيما بدا نوعا من إبراء الذمة، وهو ما أعطى الموقف المغربي صدقية دعمها الحديث عن دلائل مادية تبعد عنه تهمة العمل بالوكالة لمصلحة دول خليجية، كما تروج إيران وحزب الله والبوليساريو.
في وقت تسعى فيه البلدان ذات توجه دبلوماسي واقعي إلى تمتين علاقات مع باقي الدول؛ في زمن الأحلاف السياسية والأقطاب الاقتصادية، يُصر صناع القرار السياسي في طهران على تضييق الخناق على أنفسهم، بإيجاد أزمات دبلوماسية مع مزيد من الدول. سعيا منهم بذلك نحو توجيه، أو بعبارة أدق إلهاء الشعب الإيراني عن تفاقم الأوضاع التي بدأت تنفجر من حين إلى آخر، هنا وهناك متى وجدت سبيلا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى