الدكتور عادل اليماني يكتب : إنَّما النَّصْرُ مَعَ الصَّبْرِ

وطني لو شُغِلتُ بالخُلدِ عنّه ، نازعتني إليه في الخُلدِ نَفسي .

خمسونَ عاماً ، علي النَصرِ الكبيرِ ، في اليَومِ المَهيبِ ، يومَ ارتفعَ عَلمُ مصرَ خفاقاً ، فوقَ رمالِ سيناءَ الطاهرةِ .

يومٌ صَدَقتْ فيه النِياتُ ، وحَمَلَ فيه الأبطالُ أرواحَهم فوقَ أكُفِهم ، واختاروا الموتَ ؛ ليحيا الوطنُ .

وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى :

كانتْ رميتُه سُبحَانه ، وكانَ تأييدُه .

التأييدُ الإلهيُّ ، بتسديدِ الرميِّ ، والذي يأتي بعدَ الابتلاءِ ، والصدقِ مع اللهِ ، وحُسنِ التوكلِ عليه ، هو إذنْ صدقُ المتوكلين ، وتوكلُ الصادقين ، ولذا كانَ هَذَا النصرُ المبينُ .

مِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن یَنتَظِرُۖ .. الأولُ شهيدٌ ، والثاني بطلٌ ، أبقاه اللهُ ، لحِكَمٍ عديدةٍ ، وليحكي ويَقُصَ ، فَمِنَ الجَميلِ أن يموتَ الإنسانُ من أجلِ وطنِه ، وقد يكونُ الشئُّ الأكثرُ جَمالاً ، أن يحيا هَذَا الإنسانُ من أجلِ هَذَا الوطنِ .

في هَذَا اليومِ العَصيبِ ، حَبَستِ الدُنيا كُلُها أنفاسَها ، و أشْرَقَتْ شَّمْسُ العزةِ والأملِ والانتصارِ ، ودائماً تُشْرِقُ شَّمْسُ مِصْرَ ، يراها بعينيه البصيرُ ، ويستشعرُ حرارتَها الضريرُ ..

نصر : النون ( نورٌ )والصاد ( صبرٌ ) والراء ( رجوعٌ ) ، لما (أنارَ ) اللهُ القلوبَ (و صَبَرَ) المُرابطون ( رَّجَعْتِ) الأرضُ ، ومعها الكرامةُ ..

هي بدرٌ الثانيةُ ، الاثنان ، والقومُ صائمون ، الاثنان ، والقومُ عازمون ، الاثنان ، والقومُ متضرعون ..

بقانونِ الحسابِ ، المعركةُ غيرُ متكافئةٍ ، والعقباتُ كثيرةٌ ، والعواقبُ وخيمةٌ .

وبقانونِ السماءِ : وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .

هو وحدَه ، دونَ غيرِه ، جلتْ قُدرتُه ، القادرُ علي قَلبِ الموازين ، لماذا ؟ لأنَّه العَزِيزٌ الحَكِيمٌ ، لا يَعِزُّ مَنْ عاداه ، ولا يَذِلُّ مَنْ والاه ، وحِكمتُه غالبةٌ ، إذ هو نفسُه سُبحَانه : غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ، لا يكونُ في مُلكِه ، إلا ما يشاءُ ويُريدُ ، بعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ .

إنَّ مصرَ كُلَها تملأُها السعادةُ ، بهَذِهِ الذكري الغاليةِ ، وسعادتي مُضاعفة ، كوني ابنٌ من أبناءِ سيناء ، وأتشرفُ ، فعشقي لهذِه الأرضِ الطيبةِ ، عِشقان ، فهي مسري الأنبياءِ ، ووطنُ الشهداءِ ، وهي في الوقتِ نفسِه ، تاريخي وذكرياتي ، وفيها دُفنَ أبي وأُمي .

لو تعلمون سيناءَ وأهلَها ، كما أعلمُ ، لو تعلمون عشقَهم لهَذِهِ الأرضِ المُباركةِ ، كما أعلمُ ، لو تعلمون حجمَ التضحياتِ والمسانداتِ التي قدمَها أبناءُ سيناءَ ، لقواتِنا المسلحةِ الباسلةِ ، كما أعلمُ ، لصِحْتُم في صوتٍ واحدٍ ، مَصْدرُه القلوبُ ، لا الألسنةُ ، عاشتْ مصرُ ، وعاشتْ سيناءُ ، وعاشَ أهلُها الطيبون المخلصون الصابرون الصادقون .

في هَذَا اليومِ العظيمِ ، يومِ السادسِ من أكتوبر ، من عام ٧٣ لما عبرتِ القواتُ الباسلةُ ، وحُطِمَ الساترُ التُرابيُّ ، ورُفعَ العلمُ المصريُ ، يُرفرفُ شامخاً ، جَرتْ مِنَ العَينِ دَمعةٌ صادقةٌ ، جَرتْ مِنَ العَينِ دَمعةٌ طاهرةٌ ، إنَّ أطهرَ ماءٍ هو ماءُ الدَمعِ ، إنَّه مِن نبعِ القلبِ ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى