فيلم “Eternal sunshine”…هل النسيان نعمة أم نقمة!

كتبت- زبيدة عاطف

ماذا لو كان بإمكانك محو ذكرى سلبت من روحك الكثير، حدثٌ سرق من جفنيك ما لم تستطع مهدئات العالم منحك إياه، ماذا لو منحتك ضغطة زر واحدة طوق النجاة، يعرض لنا فيلم “Eternal sunshine of a spotless mind” هذه الفكرة في إطار دراما عاطفية مكللة بالخيال العلمي، ليخبرك أنه لابأس إذا صارعك فضولك وتسارعت أناملك للضغط عل ما اعتبرته زر العودة للحياة، ولكن قبل أن تتسلل أصابعك بحثا عنه، تتركك الحبكة حائرا أمام مفترق طرق لا مهرب منه، هل تطغى المشاعر الأليمة للنهايات على مكاسب التجربة؟ حتى وإن اقتصرت تلك المكاسب على نضج ما بعد التجربة، فيجب ألا ننسى أن فشل “إديسون” في مئات التجارب أدى في النهاية إلى إضاءة العالم، بكلمات أخرى إذا كنت من رواد “فلنعش اليوم ودع الغد للغد”، و سبقت نزعتك للراحة الحكمة التي قد تكتسبها، فيجب أن تخشى تشابه الغد البارحة وأن اختيارك الدائم للهروب يستهلك من طاقتك بدلا من تجديدها! ولو أن قوانين الفيزياء تقول أن الطاقة لا تفنى، فإن قوانين الحياة تنبهنا دائما أن عقارب الساعة تدور في اتجاه واحد.

“إشراقة أبدية لعقل نظيف..” تتحرك بنا الكاميرا وراء شخصيتين رئيسيتين “جولي” و “كلمنتين”، جيم كاري وكيت وينسلت على التوالي، وهما على علاقة عاطفية يتخللها كثير من الشغف، تحكمها المشاعر بالدرجة الأولى ونرى ذلك جليا في الخلاف قبل الوفاق، تباينت شخصياتهما فالفتاة مندفعة جريئة تخشى أن تفوتها أيا من متع الحياة، فتسعى أن “تعيش”، ربما أكثر من اللازم، أما عنه فهو تقليدي اعتيادي تألفه ما أن تتعارف عليه، بداهة حياته تفوق مغامراتها، كقطبين مغناطيس لا ينجذبان سوى للمعاكس لهما، طوقتهم تلك الاختلافات بسور شائك جرحت كل من لمسه سواء من الخارج أم الداخل، وفي إحدى الخلافات بدلا من أن تضمد جرحها قررت الفتاة أن تمحي أي أثر لذلك الجرح بما فيه العلاقة بأكملها، وذهبت لمن يقوم بتلك التجربة لها، غير آبهة بالعمر الذي مضى و الذكريات التي صُنعت، تماما مثل قرارها اليومي في تغيير لون شعرها لم تتردد لحظة في تغيير مسار حياتها، وحين علم صديقها بفعلتها أُصيب بسهم العند وقرر محاكاتها ويقتفي كل أثر لها في ذاكرته ويمحيه، فقط ليكتشف في منتصف الرحلة أنه يقص من عمره لا من آلامه، ويحاول جاهدا لإيقاف تلك العملية ولكن بعد فوات الأوان.

“أريد أن أراك ثانية لأول مرة”…من قصيدة بلال علاء

يستهل الفيلم بدايته بمشهد من نهاية رحلتهما-بالطبع لا تكتشف ذلك إلا في ثلثه الأخير-فنرى أن القدر يجمعهما مرة أخرى بعدما نجحا في إزالة كل أثر لماضيهم، يجد البطلان أنفسهما أمام مفارقة وجودية تربك روحيهما وذهن الجمهور معهما، فهما الآن يقفان أمام تجربة سبق أن أُعلن فشلها، مع ذلك لديهم الرغبة في إعادتها والخوض في تفاصيلها مرة أخرى، متأثرين بنزعة الاحتمال الصوفية-التي تهاجم نظرية الفكرة اليقينية- واضعين في الحسبان إحتمالية تغير النتائج برغم ثبات ظروف التجربة وشواهدها.

ينتهي الفيلم ولا تنتهي المعضلة التي وضعك ضحية في طريقها، تتخبط أفكارك حين يداعبها ذلك الخيال الماجن، تعلمت العوم لكنك تقف الآن حائرا في عرض البحر لا تعلم أيهما أصلح لك، هل تمسك بطوق النجاة وتصعد على متن السفينة مؤقتا لتتلاشى ألم التجربة؟ أم تكمل رحلتك في العوم و ساعديك مصابان إلى جزيرة لا ترى شاطئها؟ وإذا اخترت الإنقاذ المبكر، هل تضمن ألا ترسى سفينتك على نفس الميناء؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى