البشر والاختيار الصعب.. ننشر كلمة البروفيسور عبد السلام ابوقحف خلال المؤتمر الدولي السادس للمؤسسة العربية للتربية والعلوم والآداب

كتب- محمد السيد

ترأس البروفيسور عبد السلام محمود ابوقحف أستاذ إدارة الأعمال الدولية كلية التجارة – جامعة الإسكندرية، الثلاثاء، الجلسة الأولي من المؤتمر الدولي السادس للمؤسسة العربية للتربية والعلوم والآداب والذي اقيم في مركز الأزهر للمؤتمرات بمدينة نصر تحت عنوان استدامة الموارد بين الحفاظ على الهوية وآفاق المستقبل في العالم العربي: وفق رؤى التنمية المستدامة 2030.

وقدم البروفيسور ابوقحف خلال ترأسه للجلسة الأولى ورقة عمل بعنوان اقتصاد الإبداع: الإطار الناظم لحركة تنمية الموارد الثقافية وتحصين الهوية وتناول حديثة حول البشر والاختيار الصعب.

وقال أستاذ إدارة الأعمال الدولية أن الحركة التنموية فى أى دولة لا يمكن فهمها إلا فى إطار الحركة العامة للمؤسسات الثقافية والتعليمية والبحثية فيها وهذه الحركة لا تتحدد فقط بإملاءات الحاضر أو معطيات الماضي، وإنما أيضا بتطلعات المستقبل وتحدياته.

وأشار “ابوقحف” إلي أن  البشر أمام اختيار صعب فى عالم تتصارع فيه حضارتين حضارة يحكمها الشيطان “الاستخدام اللانساني للذكاء الاصطناعي”، وحضارة الفضاء، وعلى البشر الاختيار.

واستكمل قائلا أن الخيارات المطروحة شديدة الصعوبة خاصة فى إطار علاقتها باستدامة الموارد وتكريس الهوية.

الأول – المجاراة الطوعية في حالة ما إذا كانت الموارد ثابتة ولا يمكن تغيرها، فإن الخيار الوحيد هو العمل على تقليل الحاجيات حتى تتوافق مع الموارد.

أما الثاني  المجاراة القهرية / القسرية أمام ضغوط الاحتياجات والنمو البشرى فإن الخيار المطروح سوف يكون تطويع المستحيلات إلى ممكنات

. اقتصاد الفضاء والسماوات المفتوحة.

. الاقتصاد الأزرق للاستزراع والسكن والمواصلات وغيرها.

أما الثالث – الخيار اللا إنساني: حيث تخفيض جبرى لعدد البشر من خلال” تعقيم الرجال و تشجيع المثلية و القتل الممنهج بأسلحة حروب الجيل السابع المختلفة (إسقاط الأخلاق، خلق أزمات تدمير التعليم تخريب أي شيئ له قيمة، زعزعة الاستقرار الفوضى الأمنية ….. الخ الشرائح الذكية ……

وذكر البروفيسور عبد السلام ابوقحف أن الثقافة مورد من أهم موارد الإنتاج – إنتاج سلعي، خدمى فكرى – وهى الرافد الرئيسي لتشكيل الوعي القومى الذي يمثل في مجمله ومفرداته أحد أهم مخرجات صناعة الثقافة في بلد ما … إنها “أي الثقافة ” هي اللبنة الأساس للبنيان المرصوص الذى حدثنا عنه سيد الخلق (سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم).

إذا كان تلوث المدخلات ( مدخلات الإنتاج الثقافي ) يؤدى بالضرورة إلى تلوث النواتج ، فإن تلوث العقول ما هو إلا المنتج الرئيسي لتلوث الموارد الثقافية، ومن ثم تلوث مجمل ومفردات تشكيل الوعي القومي الناظم لأى برامج تنموية سواء ظرفية أو مستقبلية.

إن المتاجرة بأوجاع الوطن منذ أكثر من ثلاث عقود وحتى الآن هي الصناعة الرئيسية للفضائيات الإعلامية والصحف الصفراء والورقيات الثقافية من مستنقعات الفكر الغربي… لقد أصبحت هذه المحتويات الثقافية أداة رئيسية لابتزاز مشاعر المواطن وهتك عرض الهوية وتخلف الأوطان.

من هنا يأتي اقتصاد الأبداع ليصبح ضرورة فاقتصاد الإبداع في بعده غير المادي الذي يتمثل في ما يسمى بصناعة المحتوى Content industry ….. التي تشمل مجمل ومفردات صناعة الثقافة والإعلام في الوطن.

إن محتوى الثقافة والإعلام الموجه بخصوصية الدولة وتوجهاتها ورؤيتها الآنية والمستقبلية هي الضمانه الأساسية لتشكيل الوعى القومى وصيانة الوطن والهوية.

إن الوعى قبل الوعاء هو التوجه الأمن الذي يجب تبنيه للمحافظة على التنمية والثروة والوطن والهوية.

إن منظومة الإعلام، والفنون والثقافة وحوكمة المستورد من مكونات هذه الصناعة – أي صناعة المحتوى هي الآلية الفاعلة لتحقيق هذه التوجه على أن تعمل تحت لواء الوطن.

ويقول أستاذ إدارة الأعمال الدولية كلية التجارة – جامعة الإسكندرية أن الثقافة من أهم موارد الإنتاج واحد دعائم بقاء الأمم والثقافة السياج الحصين لتكريس الهوية حيث لا وطن بلا هوية، وصناعة الثقافة تحتاج إلى إبداع.

ويؤكد البروفسيور عبد السلام ابوقحف أن هناك خلط بين الإبداع والابتكار، غير أن الفرق بينهما واضح .. فالإبداع ينطوي على اثنين من المكونات الأساسية هما:

1 – الجدة Novelty حيث الأفكار والاكتشافات الجديدة عالية القيمة.

2 – الموهبة الفردية الحصرية كما أن الإبداع يربط بين الخيال والواقع في آن واحد،

فهو مثل الخرافة العبقرية القابلة للتطبيق (2010,Wilson).

.)The ideation component of innovation( 3 – الإبداع هو المكون الفكري للابتكار

ويستكمل ابو قحف إن الحوار الذي عقده مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTADفي ابريل 2012 بالدوحة استهدف مواصلة دعم الحكومات في تعزيز اقتصادياتها الإبداعية كخيار ممكن للنهوض بالنمو الاجتماعي والاقتصادي وصنع المستقبل.

وقد أشار الأمين العام «الأنكتاد» إلى أن نشاط الاقتصاد الابداعي تجاوز نموه جميع التوقعات خاصة فى الدول النامية حيث اقتربت الحصة السوقية للسلع الإبداعية أكثر من %50% من السوق العالمية.

ويشرح أستاذ إدارة الأعمال الدولية ماهية اقتصاد الإبداع: هو خيار إنمائي قابل للتنفيذ يعتمد على: أفكار ومعارف ومهارات وقدرات اكتشاف واستغلال الفرص الجديدة.

كما هو صناعة خضراء تساهم في تحقيق ديمومة التنمية كما أنه يعزز التنوع في الثقافة والفكر.

ويقول ابوقحف إن التقدم المتقطع أو غير المستدام في الدول النامية بصفة خاصة بملامحه المتباينة وجاء كناتج نهائي للخلل فى برامج التنمية غير الموجهة بالتغيير المنهجي والإبداع.

وإن فشل خطط الدول النامية في هذا الخصوص يرجع في جزئياته إلى عدم القدرة على إدارة المستقبل المعرفي بالدرجة الأولى، وغياب أدوات وعناصر ومتطلبات الإبداع المعرفي باعتبار الأخير أحد أدوات أو عناصر تحقيق التنمية المستدامة وتحسين الجودة والإنتاجية الكلية.

إن الحركة التنموية تتحدد خصائصها ليس فقط بإملاءات الحاضر وإنما بإملاءات الماضي ومتطلبات المستقبل.

إن هذه الحركة تثير عدة قضايا :

الأولى : القرار السياسي الناظم للأولويات التنموية بالدولة.

الثانية: الأداء الاجتماعي: فالوضع الاجتماعي المتردي للغالبية الشعبية

الناجم جزئياً عن الخلل في نمط توزيع الدخل وملكية الثروة وغيرها هو نتيجة لغياب المشاركة فى إدارة المجتمع وحركته العلمية.

الثالثة: مسؤولية قوى المجتمع الداخلي فى تصحيح مسارات التربية والثقافة والتعليم باعتبار أن الحركة الإبداعية هي جزء أصيل من الحركة العلمية والبحثية بالدولة.

الرابعة : تقلص إعتماد سياسات الدولة على الرصيد العلمي في مجالات هذه السياسات الأمر الذى دفع بها إلى التخلي عن الاستعمال الكفء لأدوات السياسة الاقتصادية سياسة الاستثمار، سياسات الإنتاج، السياسة الزراعية، سياسة العمالة، السياسات المالية والنقدية…. وغيرها.

الخامسة : تنامى ظاهرة الثقافة القشرية وثقافة الرعية على حساب بناء مجتمع التعلم والثقافة القومية الأصيلة وثقافة المواطن الند أو الشريك.

قضايا الثقافة وتحصين الهوية: إذا كان تشاؤم العقل لا يقاومه إلا تفاؤل الإرادة

فإن منظومة التقدم الفاعل والمستدام تتركز على دعائم هي:

* الإبداع

* الانتماء

* الإرادة

* القيادة

وأضاف البروفسيور: إن الحديث عن الموارد الثقافية ودورها في تحصين الهوية يثير العديد من القضايا الرئيسية والأدوار المتوقعة من صناعها، ومن بين هذه القضايا ما يلى:

القضية الأولى: كبداية تجدر الإشارة إلى أن الموروث الثقافي والحضاري بالوطن العربي أكبر بكثير من الفعل الحضاري.

القضية الثانية: الانفجار الخطابي – منذ نهاية القرن الماضي وحتى الآن حول قضايا الهوية .. فالهوية تستخدم كمؤشر لفهم جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية في أي مجتمع.

القضية الثالثة: التلوث الثقافي وضرورة تنقية الثقافة العربية والوعى العربي من الملوثات السلوكية واللغوية والفكرية التي تحملها وسائل الإعلام بمختلف أنواعها.

فمع تغيير قواعد لعبة الأعمال أصبح التمسك بمعايير الأسرة والعائلة وغيرها تسقط أمام معايير التسوق والشراء للسلع والخدمات، بل وصل الأمر إلى الاعتداء الصارخ على القيم والعادات والتقاليد التي تمثل مكون رئيس لوحدة اللغة والمصير والهوية العربية، ومن ثم وحدة الأمة.

القضية الرابعة: الإشكالية بين الأصالة والمعاصرة في الأداب والثقافة العربية تطرح ثلاثة من البدائل أو التوجهات التي تحتاج إلى مناقشة موضوعية ومنهجية مسؤولة.

وهذه البدائل هي:

الأول: التمسك بالأصالة أو العودة للأصل… رغم صعوبة تجميد التاريخ.

الثاني: المعاصرة … وهى ليست اختيارا فالعصرنة جزء من الشخصية.

الثالث: التوفيق بين الأصالة والمعاصرة في إطار الهوية التي تمثل السياج الواقى من التغريب.

الأمن الثقافي العربي يواجه أشرس أنواع الحروب وهي حرب الفضائيات والشبكات وهنا يبرز دور صناعة الثقافة والإعلام في التحصين والتنوير والتوعية.

إذا كانت العولمة ليست نتيجة لحوار الحضارات او تفاعلها فهى أيضا ليست الآلية الفاعلة لأنسنة العالم، وهى ليست سلاح الأمن والسلام او رفض التخلف والفقر أو اقتسام الثروة ونواتج العلم والمشاكل والمعرفة.

إنها ببساطة لا تقوم على أساس التكافؤ النفعي واحترام المرجعية الإنسانية أو دستور الدساتير الحياتية (الدين).

وأخيرا، نحن بحاجة إلى:

. وجود منظومة ثقافية وإعلامية عربية تكرس الهوية بدلا من تهميشها.

. منظومة تحتكم إلى مرجعية تفرضها خصائص وخصوصية الوطن.

.

منظومة تضع حدا للتجارب والعشوائية والفردية فى صناعة الثقافة والإعلام.

. منظومة تحقق التفوق النوعي في المعرفة والوعى بمعايير الوطن.

. منظومة لتكريس ثقافة الإبداع، والانتماء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى